مقال بعنوان: كل سنة وأنتم سالمين
هي مقولة تراثية عتيقة جداً في بلادنا وهي مدونة بأكثر من حدث تاريخي قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام، فهي كانت تُقال في الذكرى السنوية لسنة جفاف وقحط أو سنة حروب وقتل، أما سالم فهو إله وثني عبارة عن صخرة بيضاء في جبل أسود كان موجوداً في قلب مدينة بئر السبع العتيقة. وهذا الإله ليس له ديانة سوى المحبة والتسامح، فقد كان كل من يريد أن يسامح أغلاط الناس معه يقول: عشين سالم إحنا سالمين ومسامحين. وفي قراءة للقية حثية وجدت بمنطقة تل الغسول سُجّلت عليها مراسيم إنهاء حالة عداء بين عائلتين استمرت عشرة سنوات، وكانت الجاهات لا تنقطع في مضاربهم، وعندما عقدوا الصلح بينهم أقاموا وليمة لكل من حاول الإصلاح بينهما عند الحجر المقدس سالم.
الحجر سالم في وصفه أنه عكس وصف العيون الحور فهو شديد البياض في جبل شديد السواد، قدّسته جميع الأديان في بلاد كنعان وله ذكر في سجلات صور وبعلبك ووادي شمرة، لكن عندما فرضت المسيحية كدين للإمبراطورية الرومانية عاقبت أتباع الآلهة إيل وبعل، وحاولت طمس معتقدهم الديني ومنها منع الدخول إلي جبل سالم في بئر السبع، إلا لأتباع الدين المسيحي. كما أن الرومانيين أشاعوا: أن الحمامة البيضاء هي رمز السلام والمحبة، وأنها وقفت على كتف المسيح عليه السلام، ولكن هذا كله قراءة مقلوبة لمعتقد أتباع الإله ايل، الذين يتشاءمون من الحمامة البيضاء، ويعتبروها نذير حرب! وذلك لأنها ترفض حمل الرسائل مثل باقي الحمام الزاجل المعروف عندهم باسم ملائكة الوصال والرحمة.
قد يكون تاريخنا العتيق، بأديانه المنقرضة، جزء مهم مما يسمى التراث السيّار الذي يفرض نفسه على حاضرنا ويرسم شكل مستقبلنا، وأن فهم المعتقد الاجتماعي هو الطريق الوحيد لفهم شكل الحكم الذي يناسب المجتمع، على الأقل وقفا للمنهج الاستعماري البريطاني، الذي أرسل رجاله ليسجلوا كل شي عن المعتقد الديني والاجتماعي للبلاد التي يخططوا لاستعمارها، ثم تجهيز جيش وإدارة استعمارية مناسبة لهم، كما هو ظاهر بمذكرات رجال المخابرات وأدب الرحالة الأوروبين وفكر المستشرقين، ولعل أهم كتاب ساعد بريطانيين على احتلال مصر لمدة طويلة هو كتاب وصف مصر، كما أن دراسات وسجلات صندوق استكشاف فلسطين تعد المرجع الأساسي للحركة الصهيونية، وفي تراثنا الشعبي يقولون: من أكل حمارك عرفت عشاك، وأيضا ثوبك بالغربة خريطة أهلك.
ومن جانب آخر قال أجدادنا: العيد ممسحة الخطايا ومعذرة الغلطانين، ففيه تعقد الصلحات الإجتماعية، خاصة بين الأخوة وأبناء العم، وكذلك رد الطلاق وعودة الحردانات وغيره من المشاكل الاجتماعية التي لا يمكن حلها الا بالسفطة، وهي إسقاط الحق كرمال عيون الجاهة، فالسفطة هي بمعنى أن الشخص يعرف أنه على حق والآخر أخطأ بحقه، وأنه لن ينسى حقه لكنه يسامح كرمال الجاهة وعيد الله.
ويبقى أن نذكر أن السنة التي يعم فيها الخير في الزرع والنسل وتكون قليلة الحروب والمشاكل تسمى: عام خير وهي دائماً عزيزة القدوم وقليلة الحدوث، أما السنة فهي تلك السنة التي بها قليل الخير والكثيرة من المشاكل والهموم. اللهم سلمنا وإياكم من سنوات قلة الخير وفتنة الفرقة ونار الانقسام، مع دعاؤنا الدائم أن تعود إلينا بهجة أعوام الوحدة الوطنية، وأتمنى أن أقول لكم العيد القادم كل عام وأنتم بخير.
خالد غنام أبو عدنان
ولدت لاجئًا وأحيا مهاجراً
5/7/2016