تعليق على قصة ناتاشا الشركسية وأخوها عبد الرحيم طوقان

شارك المقال:

تعليق على قصة ناتاشا الشركسية وأخوها عبد الرحيم طوقان

بقلم خالد غنام- استراليا

16/3/2023

في حلقة قصة الدنيا صغيرة من سوالف على الطريق للقصاص الكويتي المحبوب أبو طلال الحمراني، يروي لنا قصة فدائي فلسطيني اسمه عبد الرحيم ابراهيم طوقان أصيب في أحداث أيلول بالأردن عام ١٩٧١. فأصيبت قدمه بالغرغرينا أثناء اشتباكات الفدائيين الفلسطينيين مع الجيش الأردني، لكن رفاقه أسعفوه وقاموا بتهريبه لسوريا، وهناك تلقى علاج بسيط ثم تم تحويله إلى إحدى مستشفيات الاتحاد السوفياتي السابق. وهناك بدأوا بعلاجه بعلاج طويل بدأ ببتر قدمه. وفي المستشفى كان هناك طبيبة تحاول التقرب منه، وكان خائف من أن تكون من عملاء الموساد الاسرائيلي، فأخذ يحتاط منها ووضع سكين تحت مخدته خوفًا من تغدر به. وفي إحدى المرات حضرت الطبيبة بصحبة مترجم ودخلت غرفة عبد الرحيم، وكانت تضع يدها في جيبها، فانتفض عبد الرحيم من سريره حاملا سكينه رغم عرجه، وطلب منها أن تخرج يدها من جيبها، فخافت كثيرًا وخرجت من جيبها صورة فتوغرافية، فطلب من المترجم أن يفتشها جيدا خوفا من تكون تحمل سلاحًا، وعندما اطمئن هدأ وجلس، فأعطته الصورة وقالت له هل تعرف هذا الشخص؛ فذهل عندما رأى صورة والده ابراهيم طوقان بلباس الجيش العثماني أيام شبابه. فقال لها هذا والدي من أين أتيتي بالصورة؟ فبكت وقالت هو والدي أنا أيضاً، أنا أمي شركسية كانت تسكن في تركيا أثناء الحرب العالمية الاولى وهناك تعرف على والدي ابراهيم طوقان وتزوجا، لكن بعد نهاية الحرب تفرقا ولم يتواصلا قط.

وقد ورد بالقصة أن ابراهيم طوقان أرسل ابنه من نابلس ليطمئن على عبد الرحيم، بعدما رفض اثنين من أخوة عبد الرحيم المجازفة والذهاب للاتحاد السوفياتي بسبب أن أحدهم كان يعمل بالجيش الكويتي والآخر بالجيش الأردني. أبلغ عبد الرحيم أخوه عن أختهم نتاشا، وبعد فترة تم ترتيب لقاء بين ناتاشا ووالدها ابراهيم طوقان في الاردن.

تعليقي على القصة، وأتمنى أن يتقبلها مني الأخ أبو طلال الحمراني بسعة صدر.

أولا: نابلس وكل المشرق العربي كانت جزء من السلطنة العثمانية وكلمة عثماني تشمل كل المواطنين العرب والأتراك وغيرهم من قوميات. وجزء من التجنيد الالزامي المعروف بالسفر برلك والنفير العام للدفاع عن بلاد المسلمين ذهب ابراهيم طوقان للقتال، في حرب الدفاع عن القوقاز بلاد الشركس والشيشان والتتر وداغستان وغيرهم القوميات. وقبلها حروب البلقان الثلاث والتي استشهد الآلاف من العثمانيين فيما بينهم المئات من الفلسطينيين وأعرف أنهم دفنوا في قبور جماعية في بلغاريا واليونان والبوسنة.

ثانيًا: تم احتلال فلسطين من الجيش البريطاني بالحرب العالمية الاولى وفيها سقط آلاف الشهداء العثمانيين، وتم أسر الآلاف ووضعهم في معتقلات في سيناء والقاهرة والهند، وتم تبادل الأسرى بعد معاهدة لوزان ومنها عودة الفلسطينيين من تركيا وكذلك المعتقلات البريطانية وإنهاء الحرب. فتلك الحرب كان هناك قوات عربية بقيادة الأمير فيصل كانت تقاتل مع الحلفاء (بريطانيا وفرنسا) ضد السلطنة العثمانية، وسيطرت قواتهم على الحجاز وشرق الأردن وجنوب سوريا، إلا أن القوات العربية لم تقاتل في فلسطين، وكل الشهداء العثمانيين بما فيهم الفلسطينيين في أرض فلسطين سقطوا بنيران قوات الاحتلال البريطاني.

ثالثا: عقد مؤتمر أريحا عام ١٩٤٩ ليضم الضفة الغربية ومنطقة القدس الشرقية إلى العرش الهاشمي فيما يعرف بوحدة الضفتين، وتم التعامل مع الفلسطينيين على أنهم أردنيين الجنسية، بالمقابل تم منع العمل المسلح الفدائيين الفلسطينيين من جماعة أمين الحسيني وتم ملاحقتهم من قوات الجيش الاردني بقيادة كلوب باشا وهو بريطاني وكان أغلب ضباط الجيش الاردني بريطانيون حتى تم تعريب الجيش الاردني عام ١٩٥٧.

رابعًا: بعد حرب النكسة عام ١٩٦٧ هزم الجيش الاردني وتم احتلال الضفة الغربية ومنطقة القدس الشرقية، وكذلك تم احتلال شبة جزيرة سيناء وهضبة الجولان السورية. وأصدرت جامعة الدول العربية قرار بضرورة دعم حرب الاستنزاف التي كان يخوضوها الجيش المصري. ومن أجل دعمها قام الرئيس المصري جمال عبد الناصر بدعم العمل المسلح الفلسطيني وعقد اتفاقيات أهمها اتفاقية القاهرة بخصوص العمل الفدائي الفلسطيني في لبنان.

خامسا: كانت المعارك يومية بين الفدائيين الفلسطينيين وجنود الاحتلال الإسرائيلي في أغوار الأردن. وكان أبناء شرق الأردن يتطوعون مع الحركات الفدائية. وحتى أن أهم المعارك ساند بها الجيش الاردني قوات الفدائيون الفلسطينيون في معركة الكرامة.

سادسًا: بعد نجاح الرئيس السوري حافظ الاسد بالحركة التصحيحية حاول فرض سيطرته على التنظيمات اليسارية الفلسطينية وخصوصا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي رفعت شعار تحرير فلسطين يمر عبر القصور الملكية الاردنية. وبدأ التوتر يتصاعد بين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والنظام الأردني. وتمت الوساطة العربية من أجل أن يكون المقاتلون الفلسطينيون في منطقة الأغوار وخارج المدن الكبرى.

سابعًا: مشروع روجرز للسلام كان مقبول من قبل الحكومة الأردنية ومرفوض من الحركات الفدائية الفلسطينية، وكانت الحكومة الأردنية تسعى لتجميد العمل المسلح على أراضيها والدخول في مفاوضات السلام. وهذا أشعل نيران معارك خسرنا فيها الكثير من الشباب العربي ولا أقول إلا أن المنتصر الوحيد هو جيش الاحتلال الصهيوني الذي يسعى بإثارة الفتن بين العرب.

ثامنا: كان حركة فتح ممثلة بالأخ خليل الوزير تفاوض الحكومة الاردنية على الآلية سحب المقاتلين الفلسطينيين من الأردن ونقلهم إلى سوريا ولبنان، لكن بنفس الوقت كان الجيش الاردني يقوم بطرد المقاتلين بالقوة ومن أشهر المعارك  كانت معركة جرش التي استشهد فيها القائد أبو علي إياد.

تاسعًا: كان الدور الكويتي محوري في الوساطة بين الجانبين الفلسطيني والأردني. وبمساعدة الوفد الكويتي بقيادة الشيخ سعد العبد الله الصباح تم تهريب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من الأردن إلى مصر.

عاشرًا: خطف الطائرات كان مرحلة صعبة من مراحل النضال الفلسطيني التي لا أعتبرها حققت نجاحا كبيرا، إلا عملية ميونيخ لها خصوصيتها التي كانت تهدف إلى ضرورة الاعتراف بحقوق الفلسطينيين بالمشاركة بالأولمبياد مثلما يسمح للإسرائيليين، وأتوقع أن صدى هذه العملية ساهم بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد في الامم المتحدة والمنظمات الدولية.

وأود أن أذكر لك تجربة شخصية لي، حيث كنت عضو كشاف في رابطة الكشافة الفتحاوية بدولة الكويت وقت اختطاف طائرة الجابرية، وكنا نعمل بمطار الكويت ليلة استقبال الطائرة حيث خرجت الكويت كلها لاستقبال الطائرة، كنا نساعد رجال الشرطة بعمل ساتر بشري لمنع إغلاق الشوارع من قبل الحشود الشعبية وكذلك توزيع المشروبات والأغذية للجماهير التي كانت تنتظر في مطار منذ أكثر من ست ساعات. كنا نتلقى توجيهات مباشرة من الأخ أبو الأديب سليم الزعنون والمشرفين الميدانيين أمثال أيسر الشمالي وهاني عبد الرزاق وأبو فراس. وبنفس الوقت كنا نسمع عن جهود الأخ أبو إياد صلاح خلف في الجزائر والتي ساهمت بالإفراج عن الطائرة.

ملاحظة أخيرة بخصوص والد نتاشا الذي شارك بالحرب العالمية الاولى وهناك تعرف على والدة ناتاشا أي تزوجا بحدود عام ١٩١٨. أي أن عمر ناتاشا كان بحدود سبعين عامًا وقت لقاءها اخيها الغير شقيق عبد الرحيم والذي كان بالتأكيد عمره بحدود ثلاثين، فهل يعقل أن عجوز بالسبعين تكون محل شك بأنها مجندة موساد؟ أما والدها ابراهيم طوقان يجعلني أتذكر الشاعر الفلسطيني الشهير ابراهيم طوقان صاحب نشيد موطني الشهير وشقيق الشاعرة فدوى طوقان. وبالتأكيد أتذكر الملكة علياء طوقان زوجة الملك الحسين، والتي قتلت في حادث طائرة بجنوب الأردن يقال أنه بسبب سوء الأحوال الجوية، وهي أم الأمير علي بن الحسين رئيس اتحاد الكرة الأردني وأم الأميرة الفارسة هيا بنت الحسين طليقة الشيخ محمد بن مكتوم. آل طوقان عائلة عريقة ولها سجلات نضالية كبرى ولعل أهمها مساهمتهم بتجهيز قوات من لواء نابلس لإنقاذ القوات العثمانية المحاصرة في قلعة عكا من قبل الجيش الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت بما عرف بهبة جبل النار التي أحرقت الجيش الفرنسي.

1548 – قصة الدنيا صغيرة !!

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة