مقال بعنوان: تذوق النبيذ مع المحجبة ليلى الحداد
صرخة “وجدتها” العتيقة، أو “أنا أفكر إذن أنا موجود” لم تعش كثيرا لأن القرار الجماعي رفضها منذ نشأتها واعتبرها انتهازية فوضوية عقوبتها السجن. بل أن الإسكندر المقدوني رفض إقصاء المعارضة السياسية حين جمع اليسار واليمين على أول طاولة للديموقراطية الأوروبية. وقال يومها من ينتمي لشعبي يخضع لولاء مجلسي الديموقراطي.
وفي العصر الحديث لا يمكن اعتبار الرأي الشخصي أكثر من بداية النقاش إلا أن الاستنتاج العلمي يعتمد على كمية قبول أو رفض الباحث لمجموعة الدراسات التي اطلع عليها. وأي بحث علمي بلا مصادر ومراجع ليس له قيمة بحثية بل إنه دراسة تجريبية. والسياسة هي علم حكم الشعوب ولها مدارس فلسفية متعددة تعتمد أحيانا على الدين أو الاقتصاد أو الاجتماع، وأحيانا أخرى تكون مركبة من عدة علوم. إلا أنها بالنهاية تؤمن أن تنفيذ السياسة بحاجة لتشكيل الأحزاب السياسية ( تسمى أحيانا حركات او تكتلات او جماعات). لوضع برامج عمل ورسم خطط بناء الدولة والدستور. ولا يوجد بالتاريخ قائد سياسي حكم دولته بدون هذا المفهوم الذي يستند إلى ضرورة إشراك الآخرين بقراراته عن طريق الحوار والديموقراطية (الشورى أو مجلس الحكماء..).
أما المستقل السياسي فهو الذي لا يرفض الحزب الحاكم فحسب بل يرفض كل الأحزاب السياسية وأكثر من هذا يرفض النظام السياسي شكلا ومضمونا ولا يعتبر نفسه ينتمي للجمهور المؤيد للاستقلال السياسي بل يسعى إلى إيجاد فوضى التمرد لإلغاء كل النظام السياسي وفي الفكر السياسي الفلسطيني تعتبر كل الأحزاب (حركات أو جماعات أو جبهات) السياسية أن النظام السياسي الفلسطيني جزء من النظام السياسي العربي، وهذه المبدئية تعود إلى بداية انفصال فلسطين قسرا عن محيطها العربي في زمن الانتداب البريطاني، إلا أن فلسطين كانت منارة لامعة بالفكر الوحدوي والقومي والديني الداعي لإعادة اللحمة بين أجزاء الوطن العربي الإسلامي الواحد. ولعل تشكل الوطنية القطرية في فلسطين لم يكن إلا من أجل تجهيز فلسطين لتنضم للوحدة العربية الجامعة.
أما أطروحة الدولة الواحدة في فلسطين فلها مفاهيم صعبة بدأت إرهاصاتها في عشرينيات القرن الماضي حينما دعا الرفيق لينين لضرورة تعريب الحزب الشيوعي الفلسطيني لأنه يمثل الجانب اليهودي وحده بالغالبية العظمى منه. وفي دراسة تطور فكر الدولة الواحدة بعد نكبة عام 1948 نرى أنه كمشروع انحصر داخل الخط الأخضر ضمن نضال أهلنا الذين بقوا في حيفا والناصرة وباقي مناطق التواجد الفلسطيني داخل الخط الأخضر، وهو نضال الحقوق المدنية والمطالبة بإزالة القوانين العنصرية ضدهم وسعيهم الحثيث للحصول على المواطنة الكاملة، ولعل مشروع نيتنياهو المعروف بالدولة اليهودية يتلخص بسحب الجنسية (الإسرائيلية) من فلسطيني داخل الخط الأخضر.
وإذا ما عدنا لفكر الراحل إدوار سعيد الذي تنبأ بانهيار العملية السلمية قبل عام 2000. وأنشأ فكرة الهجوم إلى الداخل وضرورة تفكيك (إسرائيل) من الداخل والعمل على إقناع (الإسرائيليين) أن المشروع الصهيوني قد فشلت وأن عليهم التفكير بطريقة سلمية تسمح لهم بالتعايش مع المحيط العربي. هذه الفكرة التي تم تحويرها بأشكال مختلفة حتى أصبحت تدعو لضرورة هدم النظام السياسي الفلسطيني بكل فصائله السياسية أي حركتي فتح وحماس وإحلال الفوضى.
دعوات وصرخات أن نظامنا فاسد ماليا وإداريا ( وهي تهمة توجهها المنظمات غير الحكومية ضد كل دول العالم) وأنهم عملاء للاحتلال، وأن الإنسان الفلسطيني مظلوم وكل أحرار العالم تسانده عبر المنظمات غير الحكومية، أما طموحاتهم الكبرى فهو التعايش الفلسطيني (الإسرائيلي) بشكل يسلخ فلسطين من عروبتها ودينها ليحول كل ثقافتنا وتراثنا الحضاري قابل لتفاوض مع الشعب (الإسرائيلي). فكما أن الشاب الفلسطيني قد يتزوج (إسرائيلية) فالعكس جائز، وأكثر من هذا، فالأكل الكوشر هو حلال حتى لو كان به كحول أو خمر. ورغم كل هذا ترى الفلسطيني البسيط يرتبط بالعراق والشام والأردن ومصر والجزائر وباقي المجموعة العربية، يعرف الكثير من تراثهم وهمومهم أكثر من أن يعرف ماذا يحدث بجزيرة قبرص القريبة جدا على فلسطين.
ومن جانب آخر تقول الحكمة العربية “لكل مقام مقال”. فما تبوح به لأسرتك قد تستحي أن تقوله لجيرانك وما تقوله لجارك قد تخجل أن تقوله لشخص غريب عنك، أما أصحاب الفكر المستقل فلا يعتبرون أن لهم أسرة ولا جيران ولا وطن ولا دين، بل أنهم يشتمون أسرتهم والنظام السياسي الفلسطيني ( فتح – حماس – السلطة- الأنظمة العربية..) ولا يمجدون إلا قدرة الإنسان الفرد القادر على خلق شيء جديد شيء لم نره من قبل يتمرد على كل شيء فينا، وإن أردت أن تتعرف أكثر على هذا الفكر فلك أن تذهب بعد عشرة أيام لتتذوق الخمر مع المحجة ليلى الحداد. http://www.melbournefoodandwine.com.au/program/laila-elhaddad-gazan-cuisine-6555
خالد غنام أبو عدنان
ولدت لاجئاً وأحيا مهاجراً
23/3/2017