المتحف الإمبراطوري للآثار في القدس 1890-1930
الرواية التاريخية البديلة (بحث من إعداد بيترايز لوران وهيميت تاسكوّموّر)
ترجمة: خالد غنام أبو عدنان
19/2/2018
إنشاء أول متحف للآثار في مدينة القدس في أواخر الحكم العثماني تعتبر من القصص الرائعة لتأريخ التعاون بين موظفي الحكومة العثمانية في استانبول وعلماء الآثار الأجانب العاملين في فلسطين في مؤسسة صندوق استكشاف فلسطين المموّلة من الحكومة البريطانية. تمّ تسمية المتحف باسم المتحف الإمبراطوري (1901-1917)، واستمر عمل المتحف في فترة الانتداب البريطاني تحت مسميات متعددة كان أولها متحف الآثار الفلسطيني ثم تم تغيير الاسم عام 1930 إلى متحف فلسطين للآثار، وفي عام 1935 تم تسميته متحف روكلفر لكنه كان مغلق ولم إعادة فتحه مجددا إلا عام 1938. والجدير بالذكر أن البريطانيين قاموا بتشجيع تشكيل متحفين آخرين عام 1922 الأول يهتم بالفنون الإسلامية والثاني يركز على الفن اليهودي. بالتأكيد أن تاريخ متحف الآثار الذي بدأ في زمن العثمانيين واستمر طيلة فترة الانتداب البريطاني (1917-1948) موثق بمصادر عديدة أهمها الأرشيف الوطني العثماني في استانبول، وفترة الانتداب البريطاني محفوظة في كل من متحف روكلفر بالقدس وأرشيف صندوق استكشاف فلسطين في لندن، وكذلك سجلات المحاكم المدنية في القدس.
السياق التاريخي
إن متحف القدس يجب أن يدرس أولا ضمن السياق الأوسع وهو التحديث المؤسساتي في الإمبراطورية العثمانية، وكذلك في إطار التوسع الأوروبي في الشرق الأوسط. ويمكن النظر على إنشاء المتحف باعتباره صورة مصغرة للظروف السياسية الأوسع في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين قرون، عندما وسعت القوى الغربية إلى حد كبير اهتمامها بشؤون الإمبراطورية العثمانية في حين كانت تبحث الإمبراطورية العثمانية اتنمية مؤسساتها وفقاً للمعايير الأوروبية باعتبارها نموذج لمشاريع التحديث الخاصة بها. ومن أجل هذا الهدف ، بدأت تركز على إنشاء المؤسسات التعليمية والمتاحف، على أن تكون مرتبطة في المؤسسات الحكومية للإمبراطورية العثمانية.
بدأت فترة الإصلاح العلماني في فترة التنظيمات في عهد السلطان عبد المجيد الأول (1839-1861) واستمر في عهد السلطان عبد العزيز (1861-1876) وهي فترة بروز الشخصية العثمانية الجديدة التي تتبنى التجديد الحداثي، وقد تواصل هذا النهج في عهد السلطان عبد المجيد الثاني (1876-1909) ولكنه بدأ يعيد تشكيل الحداثة الأوروبية لتتماشى مع إسلامية الإمبراطورية العثمانية. كما أن حركة تركيا الفتاة (1908-1914) حافظت على عثمانية الإمبراطورية وفق نهج الحكام السابقين.
في عهد السلطان عبد المجيد الثاني بالتحديد، زاد – بشكل عملي – اهتمام القوى الأوروبية بتقسيم الإمبراطورية العثمانية، فقد كان مؤتمر برلين عام 1878 شكّل مفصلا تاريخيا وبداية رمزية لتحويل الأفكار إلى خطط وسياسات ضمن استحداث مفهوم المسألة الشرقية، هذه القوى الأوروبية كانت كل من روسيا القيصرية والإمبراطورية الهنغارية النمساوية والألمانيين والبريطانيين. كان هدف المؤتمر رسم الخطط لتقسيم الإمبراطورية العثمانية فيما بينهم، وهذا ما بدأ عملياً في الحرب العالمية الأولى من خلال الغارات البريطانية على منطقة القدس وما حولها.
استجابة للضغوطات الأوروبية وافق السلطان عبد الحميد في البدء بمشروع إعادة بناء ضخمة للمؤسسات الحكومية في مختلف أنحاء الإمبراطورية، ويمكن للمرء ملاحظة حرص السلطان عبد المجيد على إنجاء حملته التحديثة خاص على الصعيد التعليمي الذي عمل على ربطه بالحداثة العلمانية الأوروبية ضمن إطار تطوير المؤسسات التعليمية العثمانية لتتماشى مع النموذج الأوربي الحداثي. فقد أمر السلطان بتطبيق التعليم الإلزامي في كافة أرجاء الإمبراطورية بما في ذلك المناطق النائية، ومن أجل ذلك تم بناء العديد من المدارس الابتدائية والثانوية كجزء من حملته الدعائية لمساواة الامبراطورية العثمانية مع الدول الأوروبية.
يظهر حجم ضخامة التحديث بمطالعة تفويض السلطان عبد الحميد لعمل ألبوم صور خاص به وبمشاريعه الحداثية خلال الفترة (1880-1893)، وقد تم توظيف كل من صباح، جوليار، وعبد الله فارس، بيبوس، علي رضا باشا، ومصورون من المدرسة الإمبراطورية للعوم الهندسية، كما هو مثبت بشكل جيد في الصف العثمانية مثلما هو ظاهر في صحفتي سيرفت فنون ومعلومات التي بدأت بصدور عام 1893، وكذلك بالصحفية الرسمية السنوية المعروفة باسم فيلايات سيرنامز. وفي الحقيقة أن هذه المنشورات تثبت أن الإمبراطورية العثمانية لم تكن مثل الرجل المريض على حسب الدعاية الأوروبية ضد سوء إدارة السلطان عبد الحميد.