الشّرف بِروحْ وِبيجي …المهم الصحة

شارك المقال:

مقال بعنوان: الشّرف بِروحْ وِبيجي …المهم الصحة

ويـن الملايين ؟! الشعب العربي وين ؟! الغضب العربي وين ؟! الدم العربي وين؟! الشرف العربي وين ؟!وين الملاييـن؟! من قصيدة للشاعر الليبي علي الكيلاني. يستمر أثير هذه القصيدة في غرس السهام في كرامة العربي الرّافض لواقع الخنوع والعار الذي نعيشه، فهي دعوة صادقة لفهم ما هو الشرف؟ وما أنواعه؟ وماهي أهميته عند العرب؟

قال المتنبي: لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى … حتى يراق على جوانبه الدمُ .

وشرحها ابن جنيّ: لا يسلم للشريف شرفه من أدى الحُسّاد والمعادين حتى يقتل حُسّاده وأعداءه فإذا أراق دماءهم سلِم شرفه لأنه يصير مُهيبا فلا يتعرض له. لكن ما أغفله ابن جنيّ هو معنى الشرف وكيف يكون رفيعا؟ وهل هناك شرف وضيع؟ لكنه يُصر على أن مقصد المتنبي يتجاوز مسألة هتك العرض فهو يعطي صيغة جمعية للحُسّاد والأعداء المطلوب الثأر منهم حتى يسلم الشريف من عار لحق بشرفه الرفيع.

الشرف ليس محصوراً في معنى مختصر بل هو فلسفة فكرية تُميّز ذوي الأخلاق الرفيعة في المجتمع، بل أن قوة المجتمعات تُقاس بعدد أشرافها، الذين يستبسلون في الدفاع عن شرف الأمة. وفي ذكر صفات الشريف عند العرب تأتي كلمة حُرّ متقدمة على كل الصفات، فالعربي الحُرّ هو المُرشّح ليكون شريفاً، والحرية عند العرب هي أكثر من عكس العبودية كما هو سائد بالثقافات الأوروبية، لأن العرب لا تعتبر الانسان الصعلوك أو الهارب أو مطرود من حمى قبيلته حراَّ. فالحرية لها واجبات داخل المجتمع القبلي ولعل أهمها الدفاع عن القبيلة والعمل على رفعة شأنها، وليس هذا فحسب بل أن العرب وصفت مع ينقل أسرار القبيلة إلي أعدائها بأنه خسيس يُدنّس شرف قبيلته، أما من يسمع شتيمة قبيلته ويسكُت فوصفوه بالسافل ومن يسمع بشتم صنم قبيلته ويسكت بأنه وضيع ومن يسكت عن شتم العرب من الأعاجم بأنه دنيء. في تشكيلات متواصلة لشرح أن العربي الشريف لابد ألا يقبل أن يكون ذليلاً أمام أعداء القبيلة.

ولم أتصور أن الشريف يمكن أن يحافظ على شرفه إذا وقع أسيراً؟ أو أن الحرائر الشريفات يبقين شريفات بعد سبيهنّ؟ وفي قصص الشرف العربي الذي لا يميز كثيرا بين الجنسين يكون الأسير شريفا إذا رفض الانحطاط المُذل لأعدائه بأن يقبل أن يكون مّذْعِن صاغر بلا كرامة؟ لقد رفض الأشراف الأسرى السجود لصنم القبيلة المنتصرة؟ كما رفضت الشريفات المسبيّات أن يُتفى نسبهنّ؟ في تفريق عميق لفهم المهانة المُحرّمة عند الشرُفاء. بل أن الشريفة الأسيرة ترفض أن تهرب من أسرها لأنه صّغارٌ مرفوض في فكرها فلابد أن تنتظر فرسان قبيلتها ليُحرِرُنها من أسرها لتبقى شريفة، فهي لا تُمثّل نفسها بالأسر بل تُمثّل عار القبيلة كلها، فلا يمكن تصغير حريتها بمجرد هروبها بجسدها.

أما قضية هتك العرض كجزء مهم من الشرف العربي فهو يدخل من مفهوم أوسع لوأد البنات، الغريب أن الشريف هو من يحمي أرحامه لا من يقتلهم، إلا أن وأد البنات كان دليل لضعف الأشراف على حماية بناتهم، فهم لا يُريدون تحمل مسؤولية الدفاع عن العرض في مفهوم رفضه العديد من دارسين الفكر العربي قبل الإسلام معتبرين أن وأد البنات لا يُعد تحقيراً للشريف ولم يتعامل المجتمع القبلي معه على أنه يستكين عن حماية القبيلة وشرفها؟ لكنني أُصر أن وأد البنات كان اعتراف بصعوبة أن يكون العربي شريفاً في مجتمع يعيش على الغزو والسبي. أما أن النسّابين العرب فيقولون أن الوأد جاء لقطع أرحام لا يُراد لها أن تغيّر التركيب الهرمي للعائلات المتنفذة في المجتمع، في تطيُّر لمستقبل الوليدة ومن سيكون زوجها؟

كلمة شرف وبشرفي وعهد شرف صيغ متعددة يحلف بها العربي الشريف ليرفع قيمة الشرف إلي المستوى الروحي فهو ليس تعدياً على مكانة الآلهة عنده بل هو توثيق عُرى بين الدفاع عن الشرف كما هو الدفاع عن الآلهة، أي أن الشريف يموت دفاعاً عن معتقده الديني كما أنه يموت دفاعاً عن معتقده المجتمعي. وهو ما صنع طبقة الأشراف في بلاد العرب طبقة تجاوزت صفات الشريف العادي بل أنها مسؤولة عن الشرف العربي كله، تحمي أصنامه وتُدافع عن أحلاف العرب وتتوسط لحل المشاكل بين القبائل العربية في مجالس تُسمى التشريفات المُكرمة.

أما الطقوس التصبيرية التي يُمارسُها الشريف لحين ثأره واستعادة شرفه – بعدما يفقده- فهي تبدأ برفع الراية السوداء واعتزال الفرح وزيارة الأماكن المقدسة والصّوْم عما لذَ وطاب، بل أن المغالين في الحزن يرفضوا أن يأكلوا حتى مع أهل بيتهم في اعتزال لكل شيء بالدنيا حتى يطهّر عاره ويسترد شرفه. بل أن مجرد تفكير الآخرين لدعوته لفرح أو وليمة كان يعني تحقيراً له لأنه لم يسترد شرفه بعد. إلا أن استعادة الشرف قد تُأجل لأسباب تفرضها ظروف أكبر من الهم الشخصي، فالتاريخ يذكر أن العرب أوْقفوا ثاراتهم وغزواتهم ليتوحدوا ضد غزو أبرهة لبلادهم وكذلك فعلوا ضد الحبشة والفرس والروم في تاريخ طويل يُسجل أن شرف الأمة أهم وأكبر من الشرف الشخصي، بل أن من يرفع قضية استرداد شرفه العائلي في أوقات الدفاع عن شرف الأمة يُعتبر صابئ عن الدين تلعنه الآلهة وتطرده قبيلته وليس له حق الجيرة عند باقي القبائل.

عندما سُئل عن معنى المثل الشعبي الأردني الشّرف بِروحْ وِبيجي …المهم الصحة، لم أملك أن أرفض أنه مثل شعبي له تداولية واسعة في تاريخ الشعر البنطي بل أنه سيّار في عدة بلاد عربية، حاولت أن أفهم معنى كلمة الصحة وهل حقاً أنها تعني أن الخلو من الأمراض الجسدية يكفي أن يكون الانسان سعيداً؟ فالواقع يفهم الكثيرون المثل بهذه الشاكلة، بل يؤمنون أن سلامة الجسد أهم من سلامة الشرف، ولكن قراءتي العميقة للأمثال الشعبية تجعلني أُخالف مفهوم الديوث الذي لا يغار على عرضه، بل هو تأجيل موعد استرداد الثأر لحين المقدرة على تغيير هذا الواقع، وما نحتاجه حقاً هو الحفاظ على صحتنا الروحية والبدنية بأننا أشراف وسيأتي يوماً نسترد فيه كرامتنا ونُزيل الراية السوداء التي تُغطي سماء مضاربنا. دون أُقلل بأن الكثيرون يفضلونه على مثل شعبي أكثر شيوعاً : إللّي استَحوا ماتوا. الذي يروي قصة حريق في حمام نسوي في أحد الأسواق، فقد هربت أغلب النساء عاريات إلا أن فئة قليلة فضّلت الموت على أن يخرُجنّ عاريات، معتقدات أنهن يمتنّ شريفات أفضل من العيش بظل عار العُريْ.

في زمن العار العربي، تقف كلمة الشرف في منتصف الطريق بين كرامة أمة عربية تُهان وبين ثأر وقع بين قبائل العرب، دون أن يكون هناك تعريف صافي لكلمة الشرف في زمن الذُّل والخنوع سوى مآثر التاريخ العربي القديم. فليس سهلاً صناعة عربي شريف كما أنه من الصعب أن يبقى العربي شريفاً  يتحمل مسؤولية الدفاع عن شرف يُهان من كل الأعداء وينزف عاراً معلناً أن وفاة العرب كما وصفها الشاعر نزار قبّاني: أحاول منذُّ بدأتُ كِتابةُ شِعْري.. قِياس المسافِةِ بيْني وبيْن جدودي العربْ.. رأيتُ جُيوشاً.. ولا من جُيوشْ.. رأيتُ فتوحاً.. ولا من فُتوحْ.. وتابعتُ كُلّ الحروبِ على شاشةِ التلْفزة.. فقتلى على شاشة التلفزة.. وجرحى على شاشة التلفزة.. ونصرٌ من الله يأتي إلينا.. على شاشة التلفزة..

خالد أبو عدنان

وُلدت لاجئا وأحيا مهاجراً

6/12/2015

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة