مقال بعنوان : ألوان القراءة
تكاسلت ولم أحمل معي شمسيتي على الرغم أن موسم الأمطار الصيفية في مدينة سدني يغدر أكثر الناس حيطة، عندما هبطت من القطار كان لي أن أختار بين السير للبيت بدون شمسية أو الانتظار لحين توقف المطر، لكنني قررت الوقوف والانتظار فالمطر غزير جدا وهناك مجموعة من المراهقين ينتظرون فكيف لي أن الا أنتظر.
وقفت وأخرجت كتابا وبدأت أقرأ، وهو كتاب سياسي ممل من وجهة نظر رفاقي المراهقين، حيث تقدم أحدهم يطلب مني سيجارة، فقلت له معي ولكن لا أعطي الشباب الصغار خوفا على صحتكم، فقال لي: ألا تخاف على صحتنا من كتاب سياسي أنه أخطر من السجائر؟ فقلت له: وأنا أكره هذا الكتاب لكنني بحاجة لمعرفة ما بداخله، أنت لا تحب القراءة؟ فضحك وقال لي: لقد طلبت منك سيجارة ولم تعطني والآن تريد محادثتي! عندها اقتربت المجموعة الكاملة من خمسة صبايا وشابين، وقالت أحداهن: يبدو أنكم أصدقاء وتتكلمون عن الكتب؟ ثم قالت الآخرى: هذه موضة قديمة كتب ورقية بصراحة أنا أقرأ كتابين أسبوعين ولكن كتبي الالكترونية، فهي رخيصة ثمن وأخزنها في هاتفي فلا داعي لحمل هذا الوزن الثقيل! فقالت لها رفيقتها: أن لا أحب القراءة مطلقا رغم أنني أقرأ كتابا أسبوعيا، فهذا أحدث نوع من الكتب فهو كتاب صوتي مع موسيقى هادئة بصراحة أجدها متعة رائعة لاستماع لقراءة كتاب بأسلوب سلس وممتع، فقال رفيقي القديم نسبيا: أنا لا أقرأ الا المقالات الفنية وكلمات الأغاني ثم تابع يقول: لا أعرف كيف يسمعون الأغاني ولا يعرفون أسماء الشعراء والكتاب كيف ينشدون الأغاني دون معرفة قصصها، بصراحة الأغنية هي أهم ما يكتب بعصرنا الحالي، بل أنها تتفوق على القصة.
توقف المطر ولم يتوقف حديثهم فقال لي رفيقي هل تأتي لنكمل حديثنا في مقهى قريب؟ فذهبنا جميعا على شرط أن كل شخص يدفع ثمن ما سيشربه، ضمن طقوس المجموعة ليبقوا أصدقاء فلا كلام بالرياضة وخاصة الرجبي ولا تعاملات مالية. قالت إحدى الصبايا لي: أتوقع أنني قابلتك في أحد أندية الكتاب في منطقة باراماتا؟ فقلت لها: أنا أذهب هناك بالاستمرار لمناقشة الاصدارات الحديثة من الكتب؟ فقالت: بل كانت القاعة محجوزة لفن الرقص الترميزي؟ فقلت: نعم أنا أحب هذا الفن. فسأل أحد الشباب: وما هو الرقص الترميزي؟ فأجابت الصبية: هو فن تمثيلي لحكاية شعبية مصحوب بموسيقى وهندسة ضوئية ويكون مع الحضور القصة ورقيا وهناك لوحة تظهر لك رقم اللوحة التي يقومون باستعراضها، هناك مجموعات عديدة أصولهم من أمريكا الجنوبية يقوموا باستعراضات شهريا، فقلت لصبية: عرفت متى قابلت كانت مسرحية زوربا لجورج أمادو، فأجابت: نعم وقدمت لك مشروب المتّا الأرجنتيني وقلت لي أن المتّا السورية أطيب مذاقاً!
عندما وصلنا للمقهى أخرجت صبية القارئ الالكتروني وقالت لأحد الشباب أن يقرأ عنوان أحد الكتب، فقال أنه يكره القارئ الالكتروني ويفضل القراءة من الحاسوب ( لاب توب أو باد) وقال أن القارئ الالكتروني يشعره أنه يقرأ كتابا ورقيا بل أن الحاسوب يضيف نكهة عصرية للمطالعة. فسألته الصبية: لكنك كتبت اسم هذا الكتاب في مدونتك على الفيس بوك؟ فأجاب الشاب: قلت سأقرأه عندما يصبح متاحاً لي على حاسوبي لا على هذه الاختراع الذي ولد ميتا؟ فردت عليه صبية أخرى: أنت لا تحب القارئ الالكتروني وتعتبر تويتر مليء بالكذب وأنا قلت لك مرارا أن أي شيء يكتب على مواقع التواصل الاجتماعي مراقب بل أننا نحاسب عليه في المحكمة، لقد قرأت مقالا يتحدث أن عام 2015 كان عام توتير لنشرات الأخبار الاسترالية، فلا يوجد نشرة أخبار لم تتحدث عن خبر واحد على الأقل مصدره تويتر في الخمس قنوات الرسمية، ومن تويتر أقول لك أن القارئ الالكتروني حقق رواجا عاليا العام الماضي ليس لطلاب الجامعات فحسب بل أيضا لعمال المناجم.
فسألني رفيقي القديم نسبيا: ما رأيك بالمدونة الخاصة بعيدا عن مواقع التواصل الاجتماعي؟ فقلت له أنني أملك موقعا فقير جدا ولم يزره أحد لذا استغنيت عن الفكرة وأفضل نشر مقالاتي في مواقع التواصل الاجتماعي، فهي تصل أسرع للناس، وهنا قاطعتني صبية جميلة لم تتحدث مطلقا: أنت لم تعمل تسويق جيد لمدونتك وأنا آسف لأقول لك أن الاسترال يقرأون المدونات أكثر من دخولهم لقراءة مقالات في مواقع التواصل الاجتماعي، فضحكت صبية أخرى وقالت: إليكم هذه الإحصاءيات عن الاسترال عام 2015، متوسط استخدام الانترنت هو 30 ساعة أسبوعيا لكل استرالي منها 20 ساعة قراءة، انخفاض بحجم تنزيل الأغاني والأفلام مقارنة بعام 2014 بالمقابل تقدمنا درجتين لنصبح رقم 31 في الشعوب الأكثر قراءة بالعالم.
ضحك الجميع وقالت إحدى الصبايا: رغم كل هذا فلا أحد يقرأ لنا إلا القليل القليل في هذا العالم، بل بعض الناس يتصورون أننا ولاية أميريكية؟ فقال أحد الشباب: لابد أن نحقق طموحنا وننضم فعلا للولايات المتحدة فنحن نملك نفس الثقافة، فاعترضت صبية وقالت: لا تقارنا بالأمريكان فهم شعب همجي السلاح في كل مكان والفقر والارهاب وكل شيء سيء هو أمريكا لقد أمضيت أسوأ ثلاث أشهر بحياتي هناك، فقلت لها: آسف أنكي قضيتي وقت غير ممتع بأمريكا وقد لا أكون مؤيد لانضمامنا للولايات المتحدة لكن أنا أعشق الأدب الأميريكي فهو قمة التشويق والتثوير خصوصا الأغاني فهي تحدي سحق كل الفنون بل أنه غزى جميع بلدان العالم.
هنا تدخل رفيقي القديم نسبيا وقال: لا نريد الحديث عن السياسة وأريد ان أسألكم ماذا تكرهوا أن تقرأوا أكثر من السياسة؟ فقالت صبية: بالتأكيد التعليمات التعاقدية في شركات ومواقع الانترنت فهي طويلة ومملة وكثيرا ما دفعت الثمن غاليا لأنني لم أقرأها لكنني مصر أنني أكرهها ومضطرة لقراءتها تجنب لمشاكل مستقبلية، وأردفت صبية أخرى: وهناك أيضا أصدقاء يطلبون تعليقا على أي شيء يكتبونه في مواقع التواصل الاجتماعي فأضطر لقراءتها رغم أنني لا أحب ما يكتبون لكنني أعتز بصداقتهم. فقال شاب: هناك مجاملات كثيرة تجعلنا نقرأ ما لا نحب لكننا نضطر لقراءتها لكنني أقلب لكم السؤال لأعرف ما هو الشيء الذي تقرأونه مرارا وتكرارا، وهنا هتف الجميع كلمات أغاني الراب الأميريكي، فضحكنا كثيرا واتفقنا أن نلتقي مجددا.
خالد أبوعدنان
ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا
23/1/2016