الإسرائيلية البريطانية والكتاب المقدس

شارك البحث:

“دع أبناء الشيطان يقتلون الكفار فكلهم لابد أن يبادوا”. أقذر شعارات الإسرائيلية البريطانية خلال العدوان الإسرائيلي (2023-2025) على الشعب الفلسطيني وخصوصاً في قطاع غزة. هذا المعتقد العنصري الذي يتستر بالدين لا يكتفي بتشريع سرقة الثروات من الشعوب الغير بريطانية بل هم يدعون صراحة لإشعال الحروب بغية قتل الكفار (كل الشعوب الغير بريطانية) وحتى أبناء الشيطان (اليهود). وهنا لا نبالغ أن هذا المعتقد جاء لتبرير جرائم الاستعمار البريطاني الذي قام بإبادة جماعية للسكان الأصليين في أمريكا الشمالية وأستراليا. وأن التيشير الاستعماري الذي أجبر الكثير من الآسيويين والأفارقة أن يدينوا بالمسيحية قسراً وجعلهم مسيحيين من درجة ثانية كون أنهم لا ينتمون للعرق إنجلو ساكسوني. حيث يرى مؤسسو هذا المعتقد أن هذا حدث تحقيقاً لمشيئة الله لاستمرار حكم نسل داود -عليه السلام للعالم، وهذا النسل هو الشعب البريطاني بقيادة العائلة المالكة البريطانية. وفي الشهر الماضي أصدر المهندس الأسترالي هيلتون سوليوم كتيب هام جداً لشرح معتقدات هذه الجماعة، وعلى الرغم أنه حاول قدر الإمكان أن يتجرد عن رأي بخصوصهم إلا أنه كان دائماً يميل إلى انتقاد معتقداتهم ويصفها بأنها لا تستند لفكر لاهوتي قويم ولا يتعبها إلا القليل من ذوي الأصول البريطانية. فحدد أن لهذه الجماعة سبع معتقدات أساسية تشكل فكرهم الديني وعقيدتهم السياسية:- المعتقد الأول: عهد الله مع إبراهيم -عليه السلام- ونسله ينطبق بشكل خاص على الشعب البريطاني. المعتقد الثاني: أفرايم – عليه السلام- يمثل بريطانيا وإمبراطوريتها، بينما منسى – عليه السلام- يمثل الولايات المتحدة. المعتقد الثالث: لقد خُلِّدْ عرش داود – عليه السلام- في بريطانيا من خلال النظام الملكي، تحقيقاً لوعد الله. المعتقد الرابع: هاجرت أسباط إسرائيل العشرة، التي تفرقت بعد الغزو الآشوري، إلى أوروبا الغربية وأصبحت أسلاف البريطانيين والشعوب ذات الصلة. المعتقد الخامس: الحجر المستخدم في التتويج البريطاني، والمعروف باسم حجر الكعكة، مرتبط بعمود يعقوب. المعتقد السادس: العديد من النبوءات حول إسرائيل تنطبق على بريطانيا ودورها في تاريخ العالم. المعتقد السابع: الأنجلوسكسونيون والشعوب ذات الصلة تؤدي دور إسرائيل في كونها نورًا للأمم. لقد نجح المهندس الأسترالي هيلتون سوليوم باختصار الكثير من الأفكار المنسوبة لتلك الجماعات التي تظهر أحياناً لتلعن الحكومة الإسرائيلية وبعد ذلك تلعن الزواج المختلط بين البريطانيين والهنود ثم تقوم بمطالبة ذبح المزيد من الفلسطينيين حتى يكفر الله عن ذنوبهم. فلا أتوقع أن معرفة معتقداتهم بشكل مبسط أمر كافي، خصوصاً للباحث في جذور القضية الفلسطينية. لذا وضعت مجموعة من الملاحق الهامة لمن يريد أن يفهم الفكر العنصري لجماعات الإسرائيلية البريطانية. كما أن ترجمتي لنص كتيب المهندس الأسترالي هيلتون سوليوم والملاحق شملت أيضاً إضافة جملة وعليه السلام عند ذكر أي اسم أحد أنبياء الله عليهم السلام جميعاً. وكذلك إضافة نصوص الكتاب المقدس التي وردت الإشارة لها بالنص، حيث أن معظم القراء لا يحفظون الكتاب المقدس. في الملحق الأول عرضت أحد المقالات التي تؤكد أن جزء من تتويج ملوك بريطانيا يرتبط بفكرة حجر الكعكة أو حجر القدر الذي يعبر على أن السلالة البريطانية الحاكمة هم من نسل داود -عليه السلام، وأنهم حكام العالم كله بأمر وبركة من الله. أما الملحق الثاني فهو بعنوان النبوءة والسياسة: البريطانية الإسرائيلية في الكنيسة الخمسينية الأمريكية بقلم كريستوفر ج. ريتشمان الذي يفند فيه تاريخ الجماعات البريطانية الإسرائيلية وأصولها الدينية البروتستانتية التي ترفض البابوية الكاثوليكية وتقدس العائلة الحاكمة البريطانية؛ وتؤمن أن استعمار العالم وقتل شعوبهم هو تنفيذ لمشيئة الرب. وأن النبلاء وأثرياء بريطانيا وأعضاء بارزين في الجيش فضلاً عن أعضاء من العائلة الحاكمة البريطانية يؤمنون بمعتقدات البريطانية الإسرائيلية. ففي نهاية القرن التاسع عشر ظهرت أفكار فرانك ساندفورد التدبيرية “من خلال النظر إلى الأنجلوأميركا باعتبارها ’أسباط إسرائيل الضائعة‘، المتصلبة الرقاب، المتمردة، التي تستحق عقاب الله، ومع ذلك تظل شعب الله المختار وعصا الأمم. أننا، شعب الله القديم، يجب أن نرى العالم مبشرًا (لأن الكتب المقدسة لا يمكن أن تنقض)، يكرم وجودنا الوطني . إن الفوائد الأخروية للهوية البريطانية الإسرائيلية جعلت الأنجلوسكسونيين متميزين بين أقران: “سأكون إسرائيل أولاً ثم الأمم. سيكون المئة وأربعة وأربعين ألفًا أولاً، ثم العدد الذي لا يحصى. هذه هي الطريقة التي اختارها الله للعمل، وكان علينا أن نعمل بشكل أفضل مع الله “. كانت عظمة بريطانيا وأمريكا على الساحة العالمية دليلاً واضحًا على هذا الاختيار، وهو تحقيق حرفي ومباشر للنبوءات المتعلقة بإسرائيل. بالنسبة لساندفورد، كان إنكار الهوية البريطانية الإسرائيلية بمثابة إنكار للأدلة الواضحة للكتاب المقدس، الأمر الذي من شأنه أن يدعو إلى التشكيك في صحة كلمة الله وموثوقية الله نفسه. إلا الملحق يعرض أفكار أخرى لا تقل أهمية أفكار فرانك ساندفورد وتشرح أنها لم تكن نخبوية تعتمد على طبقة النبلاء المنتفعة من التوسع البريطاني الامبراطوري، بل أن النزعة العنصرية البريطانية كانت تتنمى بين كافة فئات الشعب، وأنها طرحت لمنع انتشار الفكر الاشتراكي الشيوعي في بريطانيا؛ الذي كان يطالب بالمساواة والعدالة بين المواطنيين بغظ النظر عن دينهم أو عرقهم. وفي ملحق الإسرائيلية البريطانية بقلم ايدان كوتريل بويس في القاموس النقدي للحركات المروعة والألفية يذكر إن النزعة البريطانية الإسرائيلية هي في الأساس حركة مروعة. تتمحور المزاعم التأسيسية للإسرائيلية البريطانية حول تفسيرات نبوءة الكتاب المقدس فيما يتعلق بالاستعادة الأخروية لإسرائيل. وعلى هذا النحو، يفسر الإسرائيليون البريطانيون التاريخ البريطاني – وكذلك التاريخ الأمريكي والروسي والأوروبي وتاريخ الكومنولث – من خلال عدسة أخروية. رغم أن الفكر الحقيقي في الأديان متقاربة؛ حيث تعتبر أننا نعيش الحياة الدنيا القصيرة لتنفيذ مهام ربانية وبعدها سوف نصل إلى الحياة الأبدية الآخروية حيث سنعيش في دعة للأبد. إلا أن الجماعات الإسرائيلية البريطانية لا تعتبر ذلك يعتمد على العمل الصالح والإيمان القويم بل أنه يعتمد على العرق المنتسب إلى داود -عليه السلام وامتداده في الجزر البريطانية. كان المعتقد البريطاني الإسرائيلي، منذ بدايته الأولى، متأثرًا بنظرية التصنيف العنصري التي تعتمد في حد ذاتها على مزيج من العلوم العنصرية الزائفة، وعلم فراسة الدماغ، وتفسير الكتاب المقدس. يوضح الإسرائيليون البريطانيون التناقض بين بريطانيا وإسرائيل واليهود. يتم هذا التمييز من حيث النسب وكذلك من الناحية الأخلاقية. يتم تناول وجهات نظر مختلفة حول أصول الشعب اليهودي داخل البيئة البريطانية الإسرائيلية. ويؤيد الإسرائيليون البريطانيون أيضًا، عادةً، فرضية الخزر، التي تشير إلى أن اليهود الأشكناز هم من أصل تركي وليس إسرائيلي. تم تقديم نظريات كثيرة لدعم الادعاء بأن بريطانيا-إسرائيل هي أكثر ادعاءً بالأصل الإسرائيلي من اليهود. إن العقيدة البريطانية الإسرائيلية هي في الأساس ذات طبيعة أخروية. تركز النظرية البريطانية الإسرائيلية في المقام الأول على مهمة توضيح خطة العناية الإلهية للتاريخ والتي ستبلغ ذروتها في نهاية المطاف في النهاية. على هذا النحو، فإن تفسير النصوص الرؤيوية للكتاب المقدس العبري والعهد الجديد يحتل مكانة بارزة في الأدب البريطاني الإسرائيلي. تشير النصوص النبوية من الفترة التي تلت الغزو بشكل غير مباشر إلى الحدث الأخروي المأمول، والذي سيتم خلاله جمع القبائل المشتتة وإعادتها إلى إسرائيل (سفر إشعياء الاصحاح رقم 11). يمكن أيضًا العثور على إشارات إلى القبائل المفقودة في كتب الأبوكريفا. يتصور إسدراس أن شعب القبائل المفقودة، المنفيين الآن في منطقة أرزاريث الأسطورية، يعودون إلى صهيون في الفترة المسيانية (سفر إسدراس الثاني الاصحاح رقم 13). وقد قمت بترجمة الاصحاح ووضعته بملحق منفصل لأهميته في فهم نظرية نهاية العالم. أما الملحق الأخير فهم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: معتقد الإسرائيلية البريطانية وجذور الصهيونية المسيحية بقلم كيري لادنر. فقد حاولت أن تفهم ما حدث في الكابيتول في 6 يناير 2021 من هجوم منظم لجماعات دينية وقومية مختلفة وربط ذلك بدعمهم لاستمرار العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني خصوصاً في قطاع غزة. فتذكر أن الصهيونية المسيحية تفترض أن الشعب اليهودي أعمى روحياً، وأنهم سوف يواجهون قريباً دينونة هائلة من الله من شأنها أن تجعل المحرقة النازية باهتة بالمقارنة. وأيضًا، سيكون هناك تحول يهودي على نطاق واسع إلى المسيحية خلال نهاية الزمان. ثم تذكر بأن الإسرائيليين البريطانيين دعموا الحركة الصهيونية التي سعت إلى إعادة تجميع الشتات في الأرض المقدسة، ورأوا في بريطانيا حامية للصهيونية. وطالما تدعي الصهيونية المسيحية أنها تتحدث باسم اليهود وتروج للسياسات التي تولد حربًا دائمة في المنطقة بينما تتعاون مع اليمين العنصري في محاولة الإطاحة بالحكومة الأمريكية، فإن التجريد الكامل من الإنسانية لكل من اليهود والفلسطينيين سيستمر. ومعها ستستمر دائرة الحرب والعنف لجيل آخر على الأقل. لا يبدو أن كيري لادنر تفهم الفكر الاستعماري لجماعات الإسرائيلية البريطانية التي ترى أن المشروع الصهيوني في فلسطين لابد أن يبقى بحاجة ماسة لدعم ومساندة الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة البريطانية ولن يسمح للكيان الصهيوني إلا أن يكون تابع لهما. فمهما كان هناك حديث عن القوة الإسرائيلية الداخلية إلا أن المتابع لأحداث الحرب على غزة يعلم أن العمليات العسكرية لم تكن ممكنة لولا سلسلة الامداد العسكري الأمريكي المستمر، وكذلك ضخم المعلومات الاستخباراتية والدعم الإعلامي والمالي إضافة للمساندة السياسية، كل هذا يثبت أن الحكومة الإسرائيلية مجرد أداة لتحقيق المشروع الاستعماري الأمريكي في السيطرة على العالم. إن الإسرائيلية البريطانية ليست مجرد فكر استعماري يتستر بالدين، بل هو أيضاً فكر عنصري يتم استخدامه ضد كل الأعراق الغير بريطانية حتى لو كانوا من المسيحيين. وهذه الجماعات تنشر أفكارها العنصرية بالعالم وعبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي دون أن يتم الإشارة إلى أنها تحتوي على مواد عنصرية، بل أن هذه الجماعات تحصل على إعفاءات ضريبة لأنها تروج للسلام العالمي، ويتم السماح لهم بنعت الآخرين بأنهم كفار أو أبناء شياطين في ظل الديموقراطية الأمريكية العنصرية الاستعمارية.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ابحاث ذات صلة