مقال بعنوان: دروس بالماركسية لمناضلي التغير المناخي
بقلم: بيتر بويل (Peter Boyle)
نشرت في جريدة اليسار الأخضر الأسبوعية (العدد رقم 1237/17-09-2019)، وهي الجريدة الرسمية للتحالف الاشتراكي الاسترالي Australian Socialist Alliance
المقال باللغة الانجليزية على الرابط التالي: https://www.greenleft.org.au/content/marxs-lessons-todays-climate-rebels
ترجمة: خالد غنام أبو عدنان
تخيل أنك صادفت رسالة عمرها 150 عامًا في زجاجة توقعت: “أن العالم سيواجه أزمة كارثية نتيجة إتباع المنهج الرأسمالي الذين يعتمد على مفهوم الأرباح”.
سيكون تخيلك قابل للتفسير أكثر إذا فهمت سبب استمرار النظم الرأسمالية، فهي تعتمد على استنزاف الثروات، لذا فاستمراريتها يدوم جيل بعد جيل من خلال استزاف الثروات الطبيعية ومنها العمالة البشرية، بكل عنف تظلم الطبيعة، فتضع جانباً كل الاعتراضات الأخلاقية والعقلانية والعلمية في سعيها المحموم وراء الربح، الربح الذين لابد أن يبقى يتصاعد ويتصاعد.
وتخيل أن هذا التوقع قال أيضاً: “إنه سيصل العالم إلى نقطة الحسم التي يتعين فيها على غالبية الناس الاختيار بين الرأسمالية أو نظام ديمقراطي جديد وذو أفكارعقلانية ويؤمن بالعدالة الاجتماعية ويكون قادر على الحفاظ على علاقة مستدامة مع الطبيعة.
إن مثل هذه الرسالة كانت ستلخص مأزق البشرية اليوم – وهذا هو بالضبط ما كتبه كارل ماركس Karl Marx – في القرن التاسع عشر- شرح فكر النضال الاشتراكي. لم يذكر ماركس العدو فحسب – الرأسمالية – بل شرح السبب الذي يؤكد أن هذا النظام هو سبب الأزمة الوجودية التي تواجه البشرية وكوكب الأرض بشكل عام. أوضح ماركس أن “الانتاج الرأسمالي”: سيعمل على تطوير تقنيات الجمع التراكمي للمجتمع من خلال تقويض الثروات الأساسية لمدخلات الإنتاج، فالزيادة الربحية تقتضي تقليل التكلفة، أي تخفيض عدد العمال وزيادة إنتاجيتهم، وكذلك الأمر بالنسبة لباقي الثروات الطبيعية.
وفقًا لتحليل ماركس للرأسمالية، نستنتج أنه يوجد تناقض مزدوج في مفهوم السلعة بالنظام الرأسمالي، والذي يصل بالنهاية لتحويل كل شيء لسلعة لها سعر، وهذا السعر يتصاعد بشكل مستمر لضمان ارتفاع معدل الربحية. وفي ظل الرأسمالية، لابد أن يكون كل شيء سلعة قابلة للبيع، يتم تحديد القيمة التبادلية لسلعة ما، على أساس متوسط كمية العمالة البشرية اللازمة لإنشاء (مثل الصناعة) أو استخراج السلعة (مثل المناجم).
التناقض الأول هو أن العمال الذين يقومون بإنشاء أو استخراج السلعة لا يدفع لهم سوى متوسط تكلفة إعادة إنتاج قوتهم العاملة (الأجر الثابت/المعاش)، أما كل قيمة مضافة فيتم تخصيصها لأصحاب رأس المال وهذا ما يسمى الربح التراكمي التصاعدي. أما التناقض الثاني هو أن الطبيعة يُنظر إليها على أنها شيء لا قيمة له (ليس لها أجر أو معاش)؛ شيء يمكن سرقته إلى أجل غير مسمى وسرقة مجانية لا يحاسب عليها قانون النظام الرأسمال. إن استمرار عمل الرأسمالية، على هذا النحو، هي عملية لصوصية فهي “ليست لسرقة للطبقة العاملة فحسب، بل هي سرقة للثروات الطبيعية أيضاً”.
التصدع الأيضي Metabolic rift
رأى ماركس الإنسانية على أنها، شأنها شأن جميع الأنواع الحية الأخرى، في علاقة استقلابية مع الطبيعة، أي أن لها دورة حياة تبدأ بميلادها من الطبيعة وتنتهي بقبرها بالطبيعة نفسها، إلا أن الرأسمالية تعطل هذا النظام بشكل منهجي، مما تسبب في حدوث خلل أيضي (عملية إنتاج الطاقة داخل الكائنات الحية) كبير يزداد بشكل تراكمي.
ففي الطبعة الأولى لكتاب رأسمال Capital Volume 1 ، كتب ماركس: “الإنتاج الرأسمالي يزعج التفاعل الأيضي بين البشر والأرض، أي أنه يمنع عودة العناصر المكونة لها (مدخلات الإنتاج) التي يستهلكها البشر إلى التربة (المنتجات النهائية) في صورة شراب وطعام وملبس.”
من جانبه أوضح المحرر إيان أنجوس Ian Angus، محرر أبحاث علاقة التغيير المناخي بالرأسمالية، وأحد الذين أشاروا إلى الأفكار القيمة التي قدمها ماركس لأولئك الذين يواجهون حالة الطوارئ المناخية اليوم، وهناك العديد من علماء البيئة يشاركون أنجوس وجهة نظره، وما استنتجه أنجوس مطابق لفكرة ماركس حيث قال: “الطريقة الوحيدة التي استمرت بها الحياة على هذا الكوكب لمدة ثلاثة مليارات سنة هي إعادة التدوير وإعادة استخدام الموارد.”
لكن التصدعات الأيضية أعاقت عملية إعادة التدوير هذه، وأضاف أنجوس: “هناك مليون نوع – من كائنات الحية – على وشك الانقراض إذا لم نغير طريقة تعاملنا مع الطبيعة، لأن التصدعات الأيضية في الطبيعة تتسع بسرعة كبيرة بحيث يتعذر على العديد من الأنواع التكيف معها”.
ويتابع أنجوس شرحه: “فعلى مدى ملايين السنين، أبقت العمليات الطبيعية التفاعلية كميات الغازات الدافئة في الغلاف الجوي مستقرة، ولكن في القرن الماضي أو نحو ذلك، خاصة في العشرين أو الثلاثين عامًا الماضية، تم إدخال ثاني أكسيد الكربون في الجو أكثر من مقدرة جميع تفاعلات التي تقوم بها العمليات الطبيعية، مما تسبب بعسر الهضم المناخي، فبات من الصعب إن لم يكن من المستحيل إخراج الفائض من ثاني أكسيد الكربون.”
كما تأثر عالِم البيئة، باري كومونر Barry Commoner، الذي كتب نظرية إغلاق الدائرة The Closing Circle، بقوة بأفكار ماركس، حيث قال: “القانون الأول للبيئة هو أن كل شيء مرتبط بكل شيء آخر”. شرح ذلك بقوله: “للبقاء على قيد الحياة يجب علينا إغلاق الدائرة. يجب أن نتعلم إعادة الموارد للطبيعة، لأننا إقترضناها منها وعلينا تسديد هذا الدين للطبيعة وفقاً لكل قوانين العدالة”.
استنتاج كومونر العلمي يتوافق مع ملايين من المناضلين، خاصة نشطاء حملة الطوارئ ضد التغيير المناخي، والتي تتوسع جماهيريتها كل اليوم، وكلهم يتفقوا مع الحل الذي طرحه كومونر: “خياراتنا أصبحت محدودة إلى خيارين: إما التنظيم العقلاني للتعامل مع الموارد الطبيعية مع عدالة اجتماعية للطبقة العاملة وتوزيع ثروات الأرض بشكل المنهجي، أو الهمجية الجديدة واستمرار نهج الاستنزاف الرأسمالي”.
الاحتكارية التوسعية Imperialism
ما قام به ماركس أكثر بكثير من مجرد تسمية الرأسمالية كعدو، فقد أجرى دراسة تشريحية – كما يفعلوا بالطب الشرعي- لكيفية عمل الرأسمالية في عصره، واستنبط حركات Dynamics النظام وشرح عوامل استمرار حركته. فقد وجد أن المنافسة الشرسة بين الفئات المختلفة من الرأسماليين، من أجل زيادة الأرباح، وهذا سيؤدي إلى أزمات تتكرر بشكل منتظم، وينتج عنها استقواء الرأسماليين على بعضهم البعض، مما سيسبب عملية إفلاس للضعفاء تجبرهم إلى التنحي جانباً والقبول بالفتات المتروك أو يبتلعهم الأقوياء، الذين سيمصون دماؤهم ثم يتركوهم جيفة لا قيمة لها، فيسقطوا من المنافسة، فهم لا شيء، لأن قيمتهم السوقية صفر.
إن المنافسة ستفسح المجال أمام الاحتكار، وفي هذه العملية يتم التحكم في مدخلات الانتاج بقصد تقنينها، مما سيسبب بإلقاء ملايين من العمال على جيش العاطلين عن العمل، ذلك الجيش الذي سيتزايد بشكل تراكمي، وسيتم تدمير مجتمعات بأكملها وأنظمة بيئية، واستعباد دول الضعيفة، وسيتم تمزيق العالم بالحروب وفق نظرية الاستعمار الاحتكاري. هذا سيعيد تقسيم العالم وفق منطق شرش.
الأقسم المسيطر وهي الدول الاحتكارية التي تمارس اللصوصية ضد باقي العالم، وهذا هو الذي سيشكل القسم الثاني من العالم، الذي يضم مستعمرات الدولة الاحتكارية والدول التابعة اقتصادياً للمركز الاحتكاري والدول المستعبدة دولة احتكارية ما بحماية العسكرية تحميهم من باقي الدول الاحتكارية، ويمكن أن تبقى مجموعة من الدول الفقيرة والهامشية التي لا تطمع بها الدول الاحتكارية. هذا التقسيم لدول العالم لم يتغير فهو مطابق لواقع حالنا، والتحليل الماركسي لحركة الاحتكار الرأسمالي في هذه النقطة أيضاً، يتطابق مع نشطاء حملة الطوارئ ضد التغيير المناخي.
وكما أوضح الماركسي الأمريكي جون بيلامي فوستر John Bellamy Foster في بحثه “الاحتكارية والأنثروسين Anthropocene – مصطلح حديث للعصر الجيولوجي الحالي والذي يتصف بتغير المناخي الشاذ بسبب سوء إدارة البشر للطبيعة” في المجلة الشهرية للتغير المناخي: “لا يمكن أن تحدث ثورة بيئية قادرة على مواجهة الأزمة الوجودية الحالية إلا إذا كانت ثورة معادية للاحتكارية، تستمد قوتها من الكتلة العظمى من البشر، أؤلئك أصحاب الوجع والمعاناة من الفقراء”.
وتابع فوستر”يجب أن تكون الحركة العالمية لحماية البيئة، حركة توحد كل المقهورين، حركة يتولد منها انتفاضات وتمردات لا حصر لها، ترفض الهزيمة وتتشعب في كل دول العالم، ستؤدي إلى أول أممية حقيقية لعمال وشعوب العالم”. وخرج باستنتاج حتمي: “سيرث الفقراء الأرض أو لن يبقى وجود للأرض”.
حفارو القبور Gravediggers
ومع ذلك، توقع ماركس أيضًا أن تصنع الرأسمالية حفاري القبور الخاصين بها عن طريق دفع قطاع أكبر من السكان بلا هوادة إلى صفوف أولئك الذين لا يملكون أي شيء سوى أجسادهم، فيعملون برواتب شحيحة لدرجة أنها توفر قوتهم اليومي فقط، – وهذا مطابق لأحوال الطبقة العاملة الحديثة ، أو “99٪” كما وصفها الجيل حركة احتل حقك عنوة Occupy الذين بدأ نضالهم منذ ثماني سنوات.
في ظل الرأسمالية:
- أصبح العمل يعتمد على المواد البشرية بشكل متزايد، ولكنه أصبح مهني متخصص يتركز في أيدي عدد أقل من الناس.
- يزداد عدد أفراد الطبقة العاملة بشكل مستمر، مما يسجعلها أقوى وقادرة على النمو والتطوير الذاتي.
- بسبب الأزمات الرأسمالية المتتابعة ستتحول إجبارياً قطاعات من الطبقة الوسطى، وحتى بعض الرأسماليين، إلى أن يصبحوا عمال.
- يتم تحقيق المساواة بين المصالح الطبقة العاملة وظروفها المعيشية المتنوعة، حيث أن الآلات تحل محل البشر في جميع أشكال العمل وتقلل من الأجور إلى أدنى مستوى منخفض ولكل قطاعات العمل.
- إن يتم الصراع داخل الحركة العمالية يضعف من وحدتنا في نضالنا ضد الرأسماليين.
تحول الوعي Consciousness shift
توقع ماركس تحولا عميقا ونوعيا في وعي 99 ٪ الطبقة العاملة، حيث أن الاضطرابات المستمرة وحرب الرأسمالية ضد الناس والطبيعة تدفعها إلى صراعات أكبر وأكثر عمقا. لقد أدرك المناضلون والثوريون منذ فترة طويلة أن العمل معًا في الكفاح هو أفضل معلم.
كانت هذه بالتأكيد الرسالة التي قادت الزعيم الثوري الروسي فلاديمير لينين Vladimir Lenin إلى وطنه، وقال إنه ينبغي على الثوريين أن يستثمروا تقدميتهم من خلال مشاركتهم، على أوسع نطاق، من أجل نشر فكر الثورة ونقل التجربة لباقي الشعوب التي تناضل ضد الرأسمالية، أما على الصعيد الداخلي لابد أن تعمل الحركة العمالية على تركيز نضالها النقابي من أجل رفع الأجور وتوفير ظروف عمل أفضل.
في كتابه الشهير “ما الذي يجب فعله؟” What Is To Be Done? ، ناقش لينين فكرة مهمة عندما استنتج أنه: “لا يمكن أن يكون وعي الطبقة العاملة وعيًا سياسيًا حقيقيًا إلا إذا تم تدريب العمال على الاستجابة الممنهجة لجميع حالات الطغيان والقمع والعنف وسوء المعاملة ضد كل القوى التي تظلمهم”.
لا يمكن أن يحدث تحول في الوعي إلا إذا تعلم المضطهدون، كما قال لينين: “من واقع ملموس، وقبل كل شيء من الحقائق والأحداث السياسية والوضع السياسية المتأزم عليهم وحدهم”، إنه سلوك كافة الطبقات المناضلة، التي عليها أن تعي وتفهم أن الممارسة العملية والمسلكية الثورية تدفع الجميع لتوحد في خندق النضال ضد الاضطهاد، فصراعنا الداخلي هامشي، وصراعنا الحقيقي ضد من يظلمنا كلنا.
إن مقولة لينين الشهيرة “الكفاح ضد جميع الاضطهاد” اليوم يجب أن تركز على حالة الطوارئ المناخية بسبب التهديد الوجودي الذي تشكله.
يمكننا أن نرى ذلك عملياً في قدرتنا على تنفيذ التحدي الذي فرضه إضراب المناخ العالمي في 20 سبتمبر 2019على جميع قادة النقابات العمالية، إنهم مجبرون على مواجهة الانقسامات الداخلية، الانقسامات الخاطئة التي تضعفنا، أمام كل عنجهية الطبقة الرأسمالية التي تريد الربط الشرس بين (التي تعلق بالوقود الأحفوري – مصطلح علمي يشمل كل مصادر الطاقة من المشتاق البيترولية fossil fuels) بين تقليل عدد الوظائف كحل مواجهة تغير المناخ من خلال استخدام الطاقة الخضراء وإحلال الآلات محل الطبقة العاملة.
اشتراكية Socialism
يناقش المناضلين والثوريون اليوم بأن النقابات يجب أن تهتم ليس فقط بإيجاد الوظائف وتوفيرها، ولكن عليها أيضًا الاهتمام بنوعية الوظائف التي يحتاجها المجتمع ويجب أن تكون صديقة للبيئة.
أنه من غير الوارد أن نترك السوق، هذا السوق الشرس بقوانينه (حيث يسيطر عليه الأقوياء من أصحاب مناجم الفحم والغاز الطبيعي مع الشركات المالية المرتبطة بهم) فرض علينا الفوضى، لا يمكننا الاعتماد على قرارت الطبقات المسيطرة على السوق، والتي تسعى لإخراجنا منه واستبدالنا بالآلات.
لن نترك سوق العمل مهما كانت الدعايات الاحتكارية، لا يمكننا حتى السماح للتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة مقابل أن “نترك للسوق”. ليس لدينا ترف الوقت لتجربة هذه الدورة الجديدة التي تعمل على إعادة استغلالنا بوسائل جديدة، وعلاوة على ذلك ، فإن السوق لن ينتج وظائف جيدة أبدًا، فنحن نعلم أن الأقسام المهمة في صناعة مصادر الطاقة المتجددة تشترك مع الرأسماليين الآخرين في الميل السيء إلى تقليل عدد الوظائف واللجوء إلى ممارسات الاستغلالية والخطيرة في التعامل مع الثروات البشرية وخاصة الحركة العمالية.
لهذه الأسباب، وأكثر من ذلك، يجب إخراج الاقتصاد من أيدي الرأسماليين وإضفاء الطابع الديمقراطي عليه إذا أردنا إعادة توحد مع الطبيعة.
في طرحنا للبديل، نحتاج إلى نظام مختلف، يتوافق مع ما طرحه ماركس: “المنتجون المرتبطون بمجتمعهم لايستغلوه بل يحكمونه من أجل توفير حياة كريمة للأبناء المجتمع تكون متصالحة مع الطبيعة بطريقة منطقية فتوفر الشراب والطعام والملبس للجميع وفقاً لمفهوم العدالة الاجتماعية، وهذا يجعلها تحت سيطرت القرار الجماعي … لذا يتم إنجازها بأقل قدر من الطاقة وفي ظروف تحافظ على قيمة وكرامة الطبقة العاملة وتكون مناسبة لطبيعتها البشرية.”
نسميها “اشتراكية” أو أي شيء آخر – ولكن هذا هو المستقبل الذي نحتاجه.









