الممر الإجباري في الشرق الأوسط
بقلم خالد غنام
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن سياسة المبادئ الاقتصادية والسياسية انتهت للأبد نحن الآن على طاولة المصالح اما أن تبقل ما يعرض عليك من صفقات أو ترحل عن الطاولة للأبد.
طغت أحداث سوريا على وكالات الأنباء العالمية فلم تعد قضية أوكرانيا أو غزة أو كوريا أو السودان او غيرها من القضايا، بل أن القنوات الفضائية فضائية الاخبارية العربية وخصوصاً الخليجية واللبنانية اتفقت لأول مرة على وصف ما يحدث بأنه ثورة شعبية وأن زعيمها أبو محمد الجولاني، الذي منح صفات خاصة وكأنه ولي من أولياء الله الصالحين ويلتف حوله صفوة الأئمة والعلماء والمجاهدين.
في المشهد العسكري لم نشهد إلا تسليم منظم للمواقع العسكرية دون اي اشتباك وكأن الصفقة الحقيقية حدثت بين قيادات الجيش السوري وحكومتي تركيا وإسرائيل وبرعاية أمريكية وتمويل قطري مع موافقة روسية وقبول إيراني لما قد نسميه سوريا على طاولة المساومات لمرحلة جديدة لشرق أوسط سيعاد رسمه قريبا.
الإدارة الأمريكية طالبت الدول العربية المعنية بضرورة الاعتراف بشرعية القيادة الانتقالية في سوريا بقيادة الدكتور أحمد الشرع الشخصية الاكثر شعبية في المنطقة العربية بالوقت الحالي. الذي أدلى بتصريحات رسمية هامة عن أفكاره السياسية حيث أعلن حياده التام بالسياسة الخارجية وأن الشعب السوري تعب من الحروب، لذا فحكومته لن تتدخل بالشؤون الداخلية لأي دولة عربية وخصوصاً لبنان، كما أنه يقبل بالمجتمع الكردي ضمن النسيج الاجتماعي والسياسي والثقافي والسياسي لسوريا لكنه يرفض أي أنشطة خارجية معادية لتركيا، وتعليقا على غزو الجيش الإسرائيلي لجنوب سوريا فإنه سيسعى لحل هذه المشكلة بالطرق السياسية ولن يقاتل الجيش الإسرائيلي. إضافة إلى ذلك فإنه لا يرى الوقت مناسبا لإزالة معسكرات الجيشين الأميركي والروسي ولا حتى تصفية بقايا قوات داعش.
أما القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية الأخرى فقد انسحبت من سوريا قبل بداية عملية ردع العدوان التي قامت بها هيئة تحرير الشام بالتعاون مع فصائل مسلحة سورية وتنسيق عسكري مباشر من الجيش التركي وبدعم واسناد من الجيش الإسرائيلي، وبالتاكيد تمت صفقة تسليم مع قيادات عليا بالجيش العربي السوري وحزب البعث العربي الاشتراكي، فقد خرجت جميع القيادات الأمنية والعسكرية والسياسية قبل بدء العملية. وكذلك خرج الرئيس السوري الدكتور بشار الاسد الذي طلب اللجوء الانساني لجمهورية روسيا لكنه لم يتنحى عن منصبه، وعندما سئل ترامب ماذا ستفعل ببشار الاسد قال لم أفكر بهذا الامر بعد.
مناظر الجماهير السورية الفرحة بنهاية الحرب الأهلية تركت ارتياح عاطفي كبير في الدول العربية بل بكل دول العالم، خصوصاً قضية تحرير المعتقلين السياسيين من سجون التعذيب، وقّد تفاجأ البعض من بشاعة التعذيب في المعتقلات السورية، لكن لا أحد يستطيع أن يقول أنها الأكثر بشاعة قبل أن نرى سجون باقي الدول العربية والإسلامية وإسرائيل، فالاعتقال السياسي أكبر جريمة بحق حرية التعبير عن الرأي، لكننا لا نعرف دولة في كل الشرق الأوسط لا يوجد بها معتقلات سياسية قد يكون بعضها أكثر بشاعة مما شهدناه في في السجون السورية.
تلى ذلك تشكيل حكومة سورية مؤقتة جلها من تنظيم الإخوان المسلمين أو مقربة منه، حتى أن رئيس الوزراء محمد البشير في أول خطاب له اقتبس مقولة للشيخ حسن البنا مؤسس تنظيم الإخوان المسلمين. وعلى الرغم من ذلك وجدنا روسيا أول من تسمح برفع علم الثورة السورية فوق مبنى السفارة السورية في موسكو.
ووجدنا الدول الأوروبية تسعى جاهدة إلى إيجاد طرق آمنة للتعامل مع الحكومة السورية المؤقتة لأنها تطمح بحل مشاكل اللاجئين للسوريين في بلادها، ولعل هذا الملف الأكثر سخونة في العلاقات السورية الأوروبية أما تركيا فتضيف إلا ذلك الأمر موضوع إنهاء وجود قوات حزب العمال الكردستاني أو مجموعة مسلحة تعمل ضد تركيا.
بالنسبة للدول العربية الأخرى التي ترى أن التغيير حدث بسرعة كبيرة وهي غير قادرة على ترتيب أولويات العمل، وتجري مباحثات بين دول عربية والحكومة السورية المؤقتة بشأن ملف اللاجئين السوريين في الدول العربية وسبل إعادتهم دون تشكيل أزمة اقتصادية بسبب سحب أموال السوريين أو بين ممتلكاتهم في تلك الدول. من جانب آخر يكون ملف المسلحين الغير سوريون في سوريا، حيث تطالب بعض الدول العربية تسليم المجاهدين العرب كل إلى الدولة التي كان يحمل جنسيتها وإنهاء ملف الجهاد الداعي لتغيير باقي أنظمة الحكم بالدول العربية والإسلامية. كما تطالب بعض الدول بتحديد موقف واضح من حركة الإخوان المسلمين بالدول العربية والإسلامية.
تنظيم الإخوان المسلمين منتشر بأغلب الدول العربية والإسلامية وله شبكة اتصالات داخلية وخارجية تجعل التنظيم يعمل بشكل منظم. وهو بذلك ينتهج قواعد العمل الداخلي للأحزاب القومية العربية المستمدة من فكرة الحزب الشيوعي. من هنا يصعب الجزم أن الحكومة السورية المؤقتة قادرة على فصل تنظيم الاخوان المسلمين في سوريا عن التنظيم الدولي للاخوان المسلمين وهذا ما يؤرق الدول العربية. من جانب آخر هناك نهج قطبي داخل الاخوان المسلمين يؤمن بضرورة استخدام السلاح لتغيير نظم الحكم وهيئة تحرير الشام كانت يمتلك تلك العقيدة لكنها لا تنوي أن تقوم بأي أفعال خارج الحدود السورية بالوقت الحالي.
المتفائلون العرب يطالبون الدول العربية باستغلال الفرصة السانحة لتحقيق السلام والاستقرار في سوريا عن طريق الحوار السياسي مع الحكومة السورية المؤقتة وجعلها في حضن تركيا المسالمة وبعيدة عن إيران المشاكسة، فالضامن الأساسي لمت حدث في سوريا وأنه امر جيد هي الحكومة التركية؛ التي قدمت التطمينات لكافة الأطراف المعنية بما في ذلك الدول العربية، وأن الرعاية التركية ستمنع أي نفوذ إيراني في سوريا وهذا المطلب الأساسي للحكومة الإسرائيلية إلا الادارة الامريكية تطالب بتوقيع معاهدة سلام بين إسرائيل وسوريا وإنهاء حالة الصراع والبدء بعملية بناء سوريا الجديدة.
أما المتشائمون العرب فلا يرون أن الهدوء سيستمر طويلا حيث ستبدأ الأطراف الخارجية بتمويل اقتتال داخلي بين الفصائل السورية المسلحة، مع ضرورة إبقاء قوات دولية في سوريا: قوات أمريكية لحماية الأكراد والنفط وقوات روسية لحماية جبل العلويين ومنطقة آمنة لحماية الحدود التركية ومنطقة آمنة لحماية الحدود الإسرائيلية. وأن تنظيم داعش سيعمل على تسهيل دخول قوات شيعية لوسط سوريا للسيطرة على مدينة حمص وصولا للقصير لإبقاء تواصل مع حزب الله في لبنان من أجل الإمداد والإسناد.
بالعودة لمفهوم الصفقة عند الرئيس الأميركي دونالد ترامب فهل ستقبل الحكومة السورية المؤقتة أن تنفذ كل ما يطلب منها أمريكيا وتركيا وإسرائيليا وأوروبيا وعربياً وداخلياً؟ اما أنها ستماطل حتى تفرض عليها انتخابات غير مضمونة؟ أو قد تكون عودة حزب البعث لحكم سوريا من جديد؟ لا يوجد خيارات مريحة لسوريا لأنها كبيرة على الهضم وعصية على الاحتواء، ولعل ضرب جيش الاحتلال الاسرائيلي لكافة المواقع العسكرية السورية بعد انتهاء عملية ردع العدوان كان هدفه تدمير القوة العسكرية السورية بغض النظر عن من يحكم سوريا.
خلال الفترة الماضية شهدنا تخلف كبير بإدارة الأزمات في كل المناطق العربية وبعدها تقني عن مفاهيم الحروب الحديثة فمازالت القيادة السياسية تؤمن بأن رأيها غير قابل للنقاش أو التغيير ولا يتم سماع أي استشارات لا تؤيد ذلك الرأي، كما أن مفهوم الحاضنة الشعبية مازال يعني التضحية من أجل حماية القيادة السياسية التي تعمل على الدفاع عنهم لذا عليهم أن يصمدوا ويموتوا دفاعا عن قرارات القيادة السياسية رغم أن علم السياسة الحديث يقوم على النفعية المادية لا على شعارات ثورية، فمهما كان صوابية القيادة عليها أن تعلم أن الخاضنة الشعبية لها متطلبات مادية أساسية ودونها لا يمكن أن تصمد. اما استخدام الذكاء الاصطناعي وعلوم الحاسوب فهي تنذر بخطر شديد حيث ان اغلب الكفاءات العربية تعمل في خدمة مؤسسات اجنبية ولا يتم استيعابها في الأطر القيادية للدولة مما يعني أننا نقاتل بأسلحة متأخرة جدا لذا فخسارتنا العسكرية جزء من تخلفنا الحضاري بسبب سوء إدارة الموارد البشرية في كل الدول العربية.
الممر الإجباري في الشرق الأوسط

شارك المقال: