ما وراء حل الدولتين – تقرير معهد استراليا للدراسات والأبحاث الاستراتيجية

شارك البحث:

لن تعترف الحكومة الاسترالية بالدولة الفلسطينية قبل بدء مفاوضات الوضع النهائي بين الفلسطينيين وإسرائيل. جملة سمعتها من أكثر من مسؤول كبير داخل حزب العمال الأسترالي الذي يدير الحكومة الفدرالية بعد فوزه بغالبية مريحة في بداية مايو 2025. فعلى الرغم من أن السياسية الخارجية الاسترالية ثابتة بدعمها لحل الدولتين كطريقة وحيدة لحل الصراع في الشرق الأوسط؛ وهذا كان واضحاً من قبل الساسة الاستراليين بشكل عام (حزب الأحرار وحزب العمال). فقد حرصت الحكومة الاسترالية على دعم السلطة الفلسطينية والتعامل معها كشريك مستقبلي لتحقيق السلام. إلا أن الحكومة الاسترالية وافقت على دعم قانون الكنيست الإسرائيلي “قانون تجميد أموال السلطة الفلسطينية المرتبطة بالإرهاب” الصادر عام 2018″. فقامت وزيرة الخارجية الاسترالية في ذلك الوقت -جوليا بيشوب- بتجميد المنح المالية المباشرة للسلطة الفلسطينية، وتخفيض التعامل الدبلوماسي مع السلطة الفلسطينية حتى تتوقف عن تشجيع الإرهاب ودعم أُسَرْ الإرهابيين حسب وصفها. من جانب آخر، بدأت الحكومة الاسترالية بالحديث عن دعم مشاريع إنسانية لمساعدة الفلسطينيين عن طريق دعم مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها مؤسسة معاً وكذلك دعم المؤسسات الدولية العاملة في فلسطين وعلى رأسها أونروا. كان المعنى السياسي واضح من ذلك؛ بأن السلطة الفلسطينية سيتم إضعافها باستمرار إن لم تقبل بدخول تسوية نهائية وحل مشكلات إسرائيل. هذا الضغط يشمل البحث عن تمثيل آخر للفلسطينيين يكون بعيداً عن نفوذ السلطة الفلسطينية أو حركة حماس، في نهج تدمير للقيادة الفلسطينية. ثم جاءت الاتفاقات الابراهمية لتدمر المبادرة العربية الداعية لمقايضة الدول العربية كافة بالتطبيع مع إسرائيل مقابل اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية على كافة الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1967. مما أفقد المفاوض الفلسطيني قوة ضغط هامة وجعل الحكومة الإسرائيلية تحقق أهدافها الإقليمية دون أن تضطر لتقديم أي تنازلات للطرف الفلسطيني. في هذه الدراسة التي تم إعدادها قبل بدء موسم الحملات الانتخابية نصح مركز استراليا للدراسات والأبحاث الاستراتيجية بأن تلعب الحكومة الاسترالية دوراً هاماً بالشرق الأوسط، باعتبارها قوة متوسطة بهذا العالم، ولكن الحكومة الاسترالية غير مضطرة للتعامل مع السلطة الفلسطينية قبل أن تطور السلطة الفلسطينية نفسها وتعود إلى قوتها. كما أن الدراسة لا ترى أن هناك مستقبل حقيقي لحل الدولتين بشكله القديم، وأن المستقبل القريب يجعل المجتمع الدولي يقبل بوجود احتلال إسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، ويقبل أن تكون منطقة شمال قطاع غزة منطقة خالية من السكان وأن إدارة الشؤون الداخلية في قطاع غزة ستكون بإشراف دول عربية وتنفيذ ميداني لفلسطينينيين من قطاع غزة ليس لهم انتماءات سياسية. قد تكون الورقة البحثية أنجزت هدفها الحقيقي؛ وهي أنها قدمت بطريقة تقدمية للأحزاب الاسترالية رؤيا تتماشى مع السياسة الأمريكية الخارجية، ودفعتها بعيداً عن أي مجازفة السياسية تقترب مما حصل في أوروبا من اعتراف بدولة الفلسطينية وتجريم لممارسات جيش الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة وخصوصاً في قطاع غزة. كما أن الدراسة قدّم أهمية خاصة لأستراليا بضرورة فهم الحاجة الماسة لإخراج المدنيين من قطاع غزة، فالوضع الحالي غير قابل للاستمرار، وأن الحكومة المصرية ستقبل بنهاية الحرب بفتح حدودها للهجرة الفلسطينية الطوعية، والتي قد تشمل هجرتهم إلى بلد ثالث مثل استراليا. كما أن الفكر السياسي الأسترالي الحالي يرى أن الاستقرار في الشرق الأوسط يعتمد على ضرورة إحداث تغيير كبير في طريقة اتخاذ القرار في دول الشرق الأوسط، وهذا يدفع الإسرائيليين والفلسطينيين قبل غيرهم، لضرورة الجلوس والحوار من ابتكار حلول جديدة. طرحت الورقة أمثلة للدراسة شملت السوق الأوروبية المشتركة ومجموعة آسيان، وهما مثلان هامان في طرق تكوين مجموعة اقتصادية ناجحة، وكذلك حل المشكلات السياسية بين الدول المتجاورة. لكن مثال الشرق الأوسط مختلف تماماً، حيث أن عوامل معقدة تدخل في ثناياه أهمها احتلال الجيش الإسرائيلي لكافة الأراضي الفلسطينية وكذلك احتلالها لإراضي في لبنان وسوريا، ولا يمكن أن يكون هناك إلغاء كامل للوجود السياسي لللفلسطينيين، وأن تشكيل نخب سياسية فلسطينية جديدة بالوقت الحالي أمر في غاية الصعوبة خصوصاً في ظل الحرب المستمرة في قطاع غزة، وأن أي نخب سياسية جديدة لن يكون انتخابها سهلاً في ظل استمرار احتلال قطاع غزة، بل سيتم وصفها بأنها عميلة للاحتلال الإسرائيلي. بينما قرأت الورقة الوضع الفلسطيني بأنها ضعيف ولابد من استبداله بقيادة جديدة، إلا أنها لم تعتبر أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية عائقاً في وجه السلام الإقليمي، ولم تتدخل بشؤون الداخلية الإسرائيلية وكأنها تعتبر مجازاً أنه وضع ديموقراطي جيد. وهذا مخالف لكافة الدراسات التقدمية التي تعتبر الحكومة الإسرائيلية الحالية متطرفة وغير مقبولة إقليمياً. كما أن الورقة أغفلت طروحات حل الدولة الواحدة الداعي لضرورة تشكيل دولة فلسطينية ديموقراطية من النهر إلى البحر يعيش فيها كافة الفلسطينيين والإسرائيليين مسلمين ويهود ومسيحيين بمساواة وعدالة، وأن هذا صوت الكثير من النشطاء الاستراليين الداعين للسلام. إلا أن الورقة قدّمت النهج السياسي الأسترالي بشكل واضح، ونرى أن الحكومة الاسترالية الجديدة اعتمدت النصيحة التي قدمتها هذه الورقة وتقوم بتنفيذها حرفياً.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ابحاث ذات صلة