المقاومة الممنوعة للعدو الصهيوني ستستمر

شارك المقال:

المقاومة الممنوعة للعدو الصهيوني ستستمر

بقلم خالد غنام

يقيناً أعشق الحرية أحفر لها بالعقل قلعة وفي العين دمعة * حريتي محتلة تجري شلالاً نبع من بئر مهجورة * أعلنها مقاومة للاختلال ومجابهة للاحتلال * أسمعهم يكذبون عليكم * يصفونني بأنني إرهابي سرق خبزة من عدوه * إرهابي يتعامل مع أعداء الوطن المحتل * يريدوكم تائهين بين عدوي وعدوكم * وكأن عدوي لا يكفني حتى أعادي غيره * سأقاوم عدوي * حتى أشعر أنني إنسان لابد أن أتحرر * وأرسم خريطة المقاومة وسط زحامكم * وأرفع علم كرامتي.

توجعت الأمة العربية والإسلامية إثر العدوان الصهيوني الغاشم على المدن الإيرانية، وبرقت عيون الجميع أملاً: عندما شاهدوا الرد الإيراني بصواريخ باليستية أسقطت ما تبقى من هيبة قوة الردع الإسرائيلية.

ففي غضون خمسة عشر سنة الماضية دمر بنيامين نتنياهو الديموقراطية الإسرائيلية من خلال التضييق على حرية الرأي والتنكيل في كل الاتجاهات اليسارية الرافضة لنهجه الرافض لأي تسوية سياسية مع العرب وخصوصاً الجانب الفلسطيني، فتحول المشهد السياسي الإسرائيلي إلى لون واحد هو اليميين المتطرف بحاكم مستبد لا يتغير ويحبس كل من يعارضه على طريقة الاستبداد الدكتاتوري.

بالمقابل لم نر في المنطقة العربية أي مشروع لمقاومة هذا النهج العدواني التصاعدي إلا من خلال بوابة الدبلوماسية التخديرية التي تعد بتحسين الأوضاع بالمستقبل، دون أن يعني أن النهج الصهيوني العدواني سيتوقف بل أنه ازداد شراسة في توسيع الاستيطان الغير شرعي في الضفة الغربية ومنطقة القدس، كما أن سياسات التمييز العنصري ضد الأقلية الفلسطينية في داخل إسرائيل أخذت مناحي خطيرة ضمن مشروع نتنياهو بإقامة دولة قومية يهودية خالصة، تلى ذلك العدوان الغاشم على قطاع غزة وممارسة أبشع صور الإبادة الجماعية.

لم يجد الشعب الفلسطيني إلا سلاح محور المقاومة يساهم قدر الإمكان برفضه للمشروع الصهيوني، فكانت جبهات جنوب لبنان واليمن والعراق وإيران تشكل جبهة إسناد حقيقية للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وقدمت آلاف من الشهداء على رأسهم الشهيد السيد حسن نصر الله.

إلا أن هذا النهج كان مرفوضاً لدى الكثير من النخب السياسية الفلسطينية والعربية بسبب انعدام التوازن الاستراتيجي؛ مما سيجعل المقاومة المسلحة للمشروع الصهيوني انتحار جماعي يؤدي إلى قتل آلاف الفلسطينيين دون تحقيق أي نصر ضمن المفاهيم العسكرية العلمية.

هذا دفع القيادة الفلسطينية أن تعمل بجد على الصعيد الدبلوماسي ضمن محور الاعتدال العربي (السعودية – مصر – الأردن) من أجل تحصيل الدعم الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة رغم التعنت الإسرائيلي، إلا أن هزيمة هذا المخطط جاء ضمن ما يعرف بصفقة القرن التي خلقت محور آخر في المنطقة محور الاتفاقيات الابراهيمية التي تدعم نهج نتياهو في ضرورة القضاء على الفصائل المسلحة لدى محور المقاومة في فلسطين وخارج فلسطين بدعوة صريحة للموافقة على إنهاء الصراع باستسلام العرب وقبولهم بالمشروع الصهيوني.

يعتبر محور الاتفاقيات الابراهيمية أن التحالف بين الفصائل العربية المسلحة والحكومة الإيرانية هدفه الحقيقي هو إسقاط عروش الأسر الحاكمة في الدول العربية، وأن المخطط الحقيقي ظهر بما يسمى بالربيع العربي الذي بدى سلمياً في شمال افريقيا لكنه كان مسلحاً انقلابياً في دول الخليج العربي.

فجاء رد دول الخليج بصناعة فصائل مسلحة موالية لهم في عراق وسوريا وليبيا والسودان والصومال؛ مما أدخل المنطقة في دوامة من الحروب الأهلية بدون أهداف حقيقية سوى مشاغلة الخصوم السياسيين وتدمير الوحدة الإقليمية للدول العربية.

هذه الأمور مجتمعة جعلت الحكومة اليمينية الإسرائيلية تتعدى على دول عربية وتتدخل في الحروب العربية العربية فاعتدنا على خرق الطيران الحربي الإسرائيلي للأجواء العربية ورجال الموساد صاروا يقتلون العرب في داخل مدنهم بدون رادع في كل مكان من المغرب وتونس ومصر والسودان والعراق واليمن والصومال والأردن وسوريا ولبنان وأيضاً في دولة الإمارات العربية.

أما مبررات محور الاتفاقيات الابراهيمية لذلك فهي إنهاء الخطر الإيراني والتمدد الشيعي، فهي التي سعت لدعم انقلابات بعدة دول عربية وهي التي سعت إلى تسليح الفصائل الفلسطينية واللبنانية واليمنية والعراقية، دون أن يذكروا أن حقائق ظاهرة لمشروع المقاومة، الذي أدى إلى تحرير جنوب لبنان وتشكيل قوى مسلحة فلسطينية في قطاع غزة.

لعل أكبر كذبة في الشرق الأوسط هي التغير الإجباري للدين، فلا يوجد ضمن المخطط الصهيوني أي برنامج لإجبار الفلسطينيين ليتحولوا إلى يهوداً، لكن الحركة الصهيونية تعمل ليل نهار لتوسيع عدد الصهاينة العرب المؤمنيين بضرورة التحقيق الكامل للمشروع الصهيوني السياسي. ومن جانب آخر عملت الثورة الإسلامية في إيران على دعم كل من يؤمن بفكر تصدير الثورة لتغيير الواقع العربي الفاسد الذي يحول دون محاربة الكيان الصهيوني، لكنها لا تمتلك أي برنامج لإجبار العرب ليتحولوا للمذهب الشيعي. لعل الاستنثاء الوحيد كان بعض متشددي داعش الذين قتلوا الأقليات الدينية بسبب انتماءاتهم الدينية.

رغم أن نتنياهو شخصياً طالب بضرورة التعتيم الإعلامي للضربات الإيرانية على المدن الإسرائيلية، حتى أن الحكومة الإسرائيلية أعلنت صراحة بأنها سوف تعتقل أي صحافي يقوم بنشر أي صورة لتلك الضربات بحجة أن هذا سيخدم العدو الإيراني. إلا أن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في إسرائيل غامروا بنشر الكثير من الصور التي توثق الضربات الإيرانية وحجم الدمار الذي سببته. واكب ذلك حملة إعلامية مظللة عن حجم خسائر الجيش الإيراني ثم قصف مبنى التلفزيون الإيراني ضمن نهج نتياهو الفاشي بقتل الصحافيين والإعلاميين المعارضين لسياسته في كل مكان.

الأعظم من كل هذا حجم التعاطف الشعبي في الدول العربية مع الرد الإيراني؛ فالشعوب العربية تريد أن يتم معاقبة إسرائيل على جرائم الحرب التي ترتكبها، والشعوب العربية ترفض أن ترى كل هذا الدمار في فلسطين وكذلك في لبنان واليمن وإيران دون أن تطالب بالرد العسكري لوقف نهج نتنياهو في استباحة الدماء العربية والإسلامية.

أن أثر الصواريخ البالستسية للجمهورية الإسلامية الإيرانية حققت توازن رعب مع الكيان الصهيوني أكبر بكثير من مجرد سعيها لتحقيق طموحاتها في امتلاك قنبلة نووية. حيث ثبت أن مشروع القبة الحديدية لا يقدر أن يحمي المدن الإسرائيلية، كما ثبت أن الجيش الإيراني حصل على تقنيات متقدمة من روسيا والصين. وقد شاهدنا تفوق التقنية العسكرية الصينية في مواجهة التقنية العسكرية الأمريكية في الحرب الهندية الباكستانية الأخيرة.

أما مقولة اضرب الظالمين بالظالمين التي يرددها بعض السفهاء العرب فهي تآمر على الذات يؤدي إلى مزيد من الخنوع والاستسلام للمشروع الصهيوني، أما اعتبار مشروع المقاومة المدعوم من إيران بأنه مشروع ظالم للمنطقة العربية، التي تعاني من خمسة حروب أهلية لا يمكن حسم أي منها، وأن الغليان بالشارع العربي قادم من تحويل المنطقة العربية لمجرد تابع ذليل للمشروع الصهيوني فهذا ما لا يقبله أي عربي شريف.

وما يضحكني باكياً دور الوسيط العربي بين محور المقاومة والكيان الصهيوني، أي أن هذا الجانب من الأمة العربية محايد سياسياً لدرجة أنه يصلح ليكون وسيطاً محايداً، وهذه المهزلة التاريخية تحقق المعادلة الأصعب في تشتيت الوعي العربي عن حقيقة خنوع الوسطاء العرب الذين يعتبرون أنفسهم محايدون ولا يعادون المشروع الصهيوني.

فقد عانت المنطقة العربية في خمسينيات القرن الماضي من معضلة التحالفات الدولية، وكان هناك أنظمة عربية مرتبطة بالامبريالية الأمريكية عملت على مقاومة الأحزاب الاشتراكية العربية ومنع نشر الإلحاد الشيوعي بالمنطقة العربية، بل أنها بررت التحالف مع العدو الصهيوني في إطار ما عرف بحلف بغداد الذي ضم العديد من الدول وأدى بالنهاية إلى اعتراف شاه إيران بدولة الكيان الصهيوني وبدء مشروعه للسيطرة على الدول العربية، بدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني.

وفي التسريبات الحديثة التي نشرتها المواقع الالكترونية في الإعلام الإسرائيلي عن أن التغير في المنطقة لن يقتصر على تغيير نظام الحكم في إيران بل أنه يشمل إعادة احتلال شبة جزيرة سيناء وتدمير الجيش المصري، واحتلال الأردن لإقامة وطن فلسطيني بديل عن طريق الترحيل القسري لكل الفلسطينيين من الضفة الغربية ومنطقة وقطاع غزة وحتى الأقلية الفلسطينية في داخل إسرائيل إلى شرق نهر الأردن، احتلال كامل للبنان مع الترحيل القسري لشيعة لبنان لمنطقة جبل العلويين في شمال غرب سوريا، احتلال العاصمة السورية دمشق وطرد للفصائل السورية المسلحة منها، ضربة موجعة لباكستان وأفغانستان، أي إخضاع المنطقة بالكامل للنفوذ الصهيوني.

لكن هذا لن يسقط حق المقاومة، ومهما كان أثر ذلك ضعيفاً إلا أنه سيستمر، ويمكن أن نقرأ في التاريخ اليهودي نفسه عن ثورة المكابيين التي استمرت أكثر من مائة عام لقلة يهودية مضطهدة داخل الامبراطورية السلوقية. هذا إذا تحدثنا عن صناعة ذاتية داخلية لمقاومة عربية للمشروع الصهيوني. فالمقاومة تنبت في الانسان بكل مكان ولن يكون الانسان العربي استثناءاً.

وفي الإطار الدولي يتم تداول تصعيد خطير بين الإدارة الأمريكية والحكومة الصينية قد يؤدي إلى خلق أزمات اقتصادية واحتقانات مالية وحروب بالوكالة بين القطبين قد تؤدي إلى كساد مالي كبير؛ مما سيدفع الحكومة الصينية أن تشارك بشكل أكبر بالحفاظ على قدرة حلفاؤها على المقاومة وخصوصاً باكستان وبشكل أقل إيران، وهذا بدوره سيغذي روافد المقاومة بالمنطقة العربية. الأمر نفسه نراه في السعي الروسي لمساندة الحكومة الإيرانية للمحافظة على أقوى تحالف لروسيا بالمنطقة خصوصاً بعد انهيار النظام السوري.

من جانبها الدول الأوروبية تجد أن انهيار النظام الإيراني لا يخدم مصالحهم الخاصة، بل سيحول إيران إلى تابع للاقتصاد الأمريكي، لذا فهم لا يدعمون الهجوم الأمريكي الوشيك على المدن الإيرانية، ويرون أن هذا التفكيك للمنطقة سيعيد تشكل المقاومة في داخلها نحو اعتبار المشروع الغربي بشكل عام هو عدو المنطقة الحقيقي بعدما كان مقتصراً على اعتبار أن العدو المباشر هو المشروع الصهيوني.

يبقى أن ننظر لمفهوم الاستقواء بإسرائيل، أي أن بعض القوى بالمنطقة تحصل على دعم وتمويل من الحكومة الإسرائيلية من أجل تحقيق مكاسب سياسية مشتركة ولعل أشهر أمثلتها قوات سوريا الديموقراطية التي تم تدريبها ودعمها من قبل الجيش الإسرائيلي وفي كردستان هناك العديد من المجموعات التي تتلقى دعم المالي وعسكري لزعزعت الأنظمة الحاكمة في تركيا وسوريا والعراق وإيران. وفي داخل إيران هناك العديد من المجموعات المعارضة التي تتلقى مساعدات من الجيش الإسرائيلي والموساد لعل أشهرها مجموعة مجاهدي خلق. ومهما تكون تبريرات هذه المجموعات لقبول العون الإسرائيلي يتم نظر إليها من قبل مجتمعاتها على أنها جيوش مرتزقة تقاتل من أجل المال فقط لكنها غير جادة في إحداث تغيير سياسي حقيقي في بلادها.

إن عقيدة المقاومة تولد في الانسان كصفة أصيلة للانسان يرفض أن يكون عبداً خانعاً، وهي التي تدفعه ليكون صاحب رسالة في هذا الكون تجعله مؤهلاً للبناء الحضاري من أجل تطوير أسلوب الحياة، كما أنها تعلمه أن حقه الطبيعي أن يدافع عن نفسه ضد كل القوى العدوانية، خصوصاً عدوانية جشع الامبريالية العالمية التي تسعى إلى اضطهاد الشعوب وسلبهم مقدراتهم لمنع نهوضهم. ولا يوجد حدود مقبولة لجشع الامبريالية العالمية التي تستمر بمص دماء المستضعفين ولا تشبع أبداً وتبقى تطالبهم بمزيد من الخنوع وإذلال بشكل متواصل ومتصاعد حتى يتم فناء الشعوب الضعيفة.

من هناك تكون المقاومة صفة بشرية طبيعية تفرضها الكرامة الإنسانية التي ترفض الظلم والاستعباد، ومهما كانت تلك المقاومة ضعيفة إلا أنها راسخة الإيمان بضرورة الاستمرار، مقاومة ضعيفة تجدها في عيون طفل فلسطيني يسير بين جنود إسرائيليين مدججين بالسلاح في شوارع القدس المحتلة، تجده ينظر لهم بقوة الحق وعزيمة الإرادة بأن المقاومة مستمرة وستبقى مستمرة.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة