علم آثار الهجرة القسرية في فلسطين بالقرن الثالث عشر قبل الميلاد
- الأبحاث
- علم آثار الهجرة القسرية في فلسطين بالقرن الثالث عشر قبل الميلاد

شارك البحث:
علم آثار الهجرة القسرية في فلسطين بالقرن الثالث عشر قبل الميلاد بقلم خالد غنام – عضو الاتحاد العام للمؤرخين والآثاريين الفلسطينيين نحن أحياء وباقون .. .وللحلم بقيّةْ ولنا أحلامنا الصغرى، كأنْ نصحو من النوم معافين من الخيبة، لم نحلم بأشياء عصيّة – محمود درويش التهجير القسري للفلسطينيين حلول تم طرحها من الصهاينة خلال القرنين الماضيين وإحلال اليهود الصهاينة محلهم كما حدث في عهد يوشع بن نون – عليه السلام – حسب الرواية التوراتية، وعلى الرغم أن إسقاط الأحداث تجعل الفلسطينيين هم كفار وحاربوا نبي الله، وأن الصهاينة هم جنود الحرب المقدسة لإرضاء الرب ونصرة الأنبياء. إلا أن هذا كله تحريف لقصة يوشع بن النون، وأن هناك الكثير من الباحثين أكدوا أن هناك كهنة عدّلوا بشكل مستمر بسفر بوشع وقصة يشوع بن نون وأدخلوا عليها حقد القتل وأخذ أرض الغير بقوة السلاح بعد حرق مدنهم وقتل نسلهم. كما أن الربط بين مكونات بشرية متنوعة كانت تسكن فلسطين في تلك الحقبة من القبائل الكنعانية وكذلك القبائل الحثية والميتانية والبلستية والمصرية والآشورية يجعل فلسطين وطن لجميع مكونات المشرق العربي، لأنها منطقة تبادل تجاري بين الامبراطوريات الكبيرة وكان مطلوباً أن تبقى محايدة سياسياً. في الوقت الذي صاغ فيه عالم المصريات الفرنسي غاستون ماسبيرو (1846-1916) مصطلح شعوب البحر في إشارة إلى القوى الغازية في القرنين الثالث عشر والثاني عشر قبل الميلاد، عرض باحثون أسباب انهيار العصر البرونزي وقدموها على شكل سلسلة طويلة خطية متتابعة من الأحداث: زلازل سوت مدن بالأرض ومواسم حصاد سيئة سببت مجاعات قادت بدورها إلى فوضى اجتماعية وسياسية نتج عنها ثورات وتمردات داخلية. في ذات الوقت اجتثت المشكلات والصعوبات ذاتها شعوب كبيرة من أرضهم وأجبرتهم على الهجرة إلى البحر الأبيض المتوسط في سعي نحو إيجاد وطن جديد، لكن ما حدث هو أن هؤلاء المهاجرين قد أزعجوا السكان الأصليين. وفي نهاية المطاف، نتج عن هذه الضغوط قطع العلاقات التجارية والدبلوماسية وانهيار الحضارة في حوض البحر المتوسط. في نفس زمن هذا الانهيار العام، يدعي الصهاينة أن يوشع بن نون – عليه السلام- قام بعمليات إبادة جماعية للمدن الفلسطينية، وفي أحسن الأحوال يتم ذكر التهجير القسري للفلسطينيين وإحلال بني إسرائيل مكانهم. أي أنهم بنوا مدن في زمن انهيار الحضارة في كل المشرق العربي، وهذا ما لم يتم إثباته في جميع عمليات التنقيب في مواقع المدن الفلسطينية التي تم ذكرها في فتوحات يوشع بن نون – عليه السلام. الكنعانيون أهل فلسطين الأصليين وفقاً لكل المصادر التاريخية والآثارية، حضارتهم في العصر البرونزي هي التي أسست إلى حضارتهم بالعصر الحديدي، وهي حضارة لها نكهة محلية مميزة تجعلها تصنف بأنها كنعانية جنوبية لتمييزها عن الحضارات الكنعانية الأخرى مثل ماري وفينيقيا وتل شمرة. وهذه الحضارة تقوم أساساً على الوسيط المحايد في التجارة الدولية بين الامبراطوريات المتصارعة: مصر، الإغريق، الحثيين، الميتان، بلاد الرافدين، الفرس. وهذا جعل الكنعانيين الفلسطينيين يتأثروا بتلك الحضارات ويتعلموا لغاتهم وفنونهم وأحياناً يؤمنوا بمعتقداتهم الدينية. قام البرفسور جان دريسن بدراسة تلك المرحلة من التاريخ الفلسطيني اعتماداً على اللقى آثارية، وأصدر عدة كتب وأبحاث مهمة. استنتج من خلالها أن الحضارة الكنعانية لم تنته بعد الانهيار العام للعصر البرونزي المتأخرة، بل أنها اضمحلت وانتقلت سكان المدن كبرى لمناطق قريبة منها، حيث إن الحرائق أنهت مظاهر الحياة بالمدن بجنوب بلاد الشام – فلسطين، كما حدث في باقي مناطق شرق البحر المتوسط في تلك الحقبة الزمنية. وفي هذا البحث المترجم للأستاذة آن إي. كيليبرو تستند فيه لقراءتها لأبحاث البرفسور جان دريسن، إضافة إلى مطالعتها الخاصة واستنتاجاتها كأحد المشاركين بعمليات التنقيب بمناطق فلسطينية تشمل: دان، حاصور، مجيدو، بيت شان، عقرون، لخيش. تثبت أن الكنعانيين لم يتم تهجيرهم من أرضهم، وأن الرواية التوراتية -التي زورها الكهنة- لفتوحات يوشع بن نون – عليه السلام، لا تتطابق مع اللقى الآثارية المكتشفة في أهم المدن الكنعانية. وتؤكد الأستاذة آن إي. كيليبرو أن المدن المذكورة تعرضوا لحرائق وانهيار حضاري في حقبة الانهيار العام لشرق البحر المتوسط في العصر البرونزي المتأخر، إلا أن المدن التي تم إعادة بناؤها كانت كنعانية عربية وأن بعضها تأثر بهجرات قبائل الفلسطينيين القادمين من منطقة بحر إيجه، لكن لا يوجد أي أثر على وجود أي معلم حضاري على وجود الإسرائيليين سياسياً أو دينياُ. رغم أن هذه المدن عادت وبنت شبكة علاقات تجارية واسعة وأقامت علاقات رسمية مع المراكز الحضارية في مصر وبلاد الشام وميتان والإغريق وقبرص؛ مما يرفض فكرة وجود قوة سياسية أخرى كانت تسيطر على حنوب بلاد الشام – فلسطين. في علاقات التهجير القسري يكون هناك استعباد للسكان الأصليين ويتم طمس هويتهم الحضارية من قبل المحتلين، وهذا لم يحدث بالمدن الكنعانية التي تم دراستها، بل أن هذه المدن كانت قادرة على استضافة لاجئين من مناطق بعيدة مثل الفلسطينيين القادمين من منطقة بحر إيجة والمصريين القادمين من شمال سيناء وكذلك قبائل ميتانية وحثية. وعلى الرغم أن هؤلاء اللاجئين قدموا من مناطق الحضارية أرقى من مناطق جنوب كنعان – فلسطين، إلا أن الطابع العام للمدن الكنعانية الجنوبية حافظ على خصوصيته المحلية، مع إدخال بعض التطور في الفنون خاصة بالفخاريات وأنواع الطبخ دون أن يعني طمس الهوية المحلية، مما يؤكد أن المدن الكنعانية الجنوبية تقبلت إدخال اللاجئين في نسيجهم الاجتماعي بطرق سلمية، مما جعلها مدن متعددة الثقافات، وهي سمة للمدن الكنعانية الجنوبية – فلسطين قبل وبعد حقبة الانهيار العام لشرق البحر المتوسط في العصر البرونزي المتأخر. إن موضوع التهجير القسري الوارد في التوارة لم يتم إثباته من قبل البعثات الآثارية، بما فهيا بعثات الجامعات الإسرائيلية: الجامعة العبرية وجامعة تل أبيب. إلا أنهم لم يجدوا أثر واحد على حكم إسرائيليون -زمن يوشع بن نون- للمدن الكنعانية الجنوبية – فلسطين، كما أن هذه المدن تمتعت باستقلال إداري عن الإمبراطوريات المجاورة خاصة في مصر وبلاد الرافدين والإغريق. وهذا ينفي حدوث تهجير قسري بالمدن الفلسطينية في تلك الحقبة الزمنية. من جانب آخر أكد عالم لاهوتيين أن الإبادة الجماعية في سفر يشوع غير حقيقية وأن بعض الصهاينة قدموا تفسيرات مغلوطة عن قصة يشوع بن نون لتبرير ممارسات الحركة الصهيونية العنصرية، ولعل كتاب عنف إله الكتاب المقدس للباحث دانييل هوك من أهم الكتب التي تناولت هذا الموضوع بنقد علمي بليغ، وكذلك تعليق الحاخام شاي هيلد هو رئيس وعميد معهد هدار في نيويورك على الكتاب يعتبر من أهم ما كتب عن رفض فكرة الإبادة الجماعية والتهجير القسري. إن استخدام النصوص الدينية المقدسة لتبرير قتل الأبرياء يعد جريمة بحق الإيمان بالرب الذي يدعو للمحبة والسلام، إلا أن الحركة الصهيونية تبرر أفعالها الشنيعة بالتخفي خلف أكاذيب صدقوها عن تبرير قتل الشعوب ونهب ثرواتهم، كما فعلت الحركات الاستعمارية في شعوب استراليا وأمريكيتين حيث أبادوا شعوب بنفس التبريرات أن سكانها هم ليسوا إلا حيوانات بشرية همجية كافرة لابد أن تباد كما أمر الرب في سفر يشوع. في المثل الشعبي الفلسطيني نقول الغريب بروح بس بده طولة روح: أي أن الشعب الفلسطيني له خبرة طويلة أن الغرباء المستعمرين مهما طالت فترة استبدادهم في فلسطين، فإن صمود الشعب الفلسطيني ومقاومتهم للمشاريع الاستعمارية كفيلة بإنهاء الاحتلال ودحر العدوان. لقد فعلها الفلسطينيون عبر تاريخ نضالي طويل ضد الاستعمار بكافة أشكاله، تاريخ يمتد للآلاف السنين في سطور الكفاح الفلسطيني.