معاناة الجالية الفلسطينية في أستراليا مع احتدام الحرب في غزة

شارك المقال:

معاناة الجالية الفلسطينية في أستراليا مع احتدام الحرب في غزة

بقلم ديشلان برينان Dechlan Brennan لصحيفة الدبلوماسي Diplomat

02 نوفمبر 2023

ترجمة خالد غنام – استراليا

“لذا، هناك ألم المعاناة في فلسطين – وطننا – ولكن بعد ذلك هناك شعور بأن الجميع تخلى عنا. إنه شيء آخر. يبدو الأمر كما لو أننا لا ننتمي إلى أستراليا، ولا ننتمي إلى الكرة الأرضية تقريبًا”.

تتحدث هبة الفرا Hiba Farra عبر الهاتف بطريقة تناقض موقفها. أخبرتني المحامية الفلسطينية، التي تقيم في مدينة بيرث الاسترالية، عن الرعب الذي تعرضت له عائلتها خلال الشهر الماضي بلهجة تفطر القلب.

وقالت: “لقد فقدت أكثر من 40 فردًا من عائلتي في غزة”. “لا أعرف عما إذا كان عدد القتلى (الشهداء) قد ارتفع في الأيام القليلة الماضية فقط.”

ويقال إن عدد أبناء الشتات الفلسطيني في أستراليا يبلغ حوالي 50 ألفًا. يتم التقليل من هذا الرقم بشكل روتيني بالنظر إلى أن فلسطين لم يتم اعتبارها تاريخياً دولة مواطنوها يحملون جنسية فلسطينية يعترف بها في بطاقات الصعود إلى الطائرة أو استمارات الهجرة. كانت الأجيال السابقة التي وصلت إلى أستراليا من مختلف دول الشرق الأوسط محظوظة إذا كانت القدس مكتوبة على بطاقة وصولهم. وشعر الكثيرون بالخجل من حرمانهم من جنسيتهم الفلسطينية.

أحداث 7 أكتوبر صدمت العالم. أدى الهجوم الإرهابي الذي نفذته حماس – الهيئة الحاكمة في غزة والمصنفة كمنظمة إرهابية في أستراليا وأماكن أخرى – إلى مقتل 1400 مدني واحتجاز أكثر من 200 رهينة، وكان من بين الضحايا إسرائيليون ومواطنون أجانب. وفي أعقاب ذلك، أدان زعماء العالم الهجوم وأعطوا الضوء الأخضر لإسرائيل “للدفاع عن نفسها”.

وفي الأسابيع التي تلت ذلك، انكشف الرعب في قطاع غزة، أصغر المنطقتين الفلسطينيتين، الواقع على طول البحر الأحمر (خطأ من المحرر: غزة تقع على البحر الأبيض المتوسط). وقُتل أكثر من 8000 شخص، أكثر من 3000 منهم من الأطفال.

واليوم، فإن الأشخاص الذين يريدون ببساطة بقاء عائلاتهم على قيد الحياة، يرفعون نداء يائساً على نحو متزايد بأن القصف الإسرائيلي قد انتقل إلى مستوى جرائم الحرب. وما يثير قلق العديد من الفلسطينيين في مختلف أنحاء العالم، وغيرهم ممن وصفوا رد فعل إسرائيل بأنه غير متناسب، أن الهجمات جاءت من ساسة ووسائل إعلام تخلط بين أولئك الذين يحثون على الاهتمام بحياة المدنيين الأبرياء في غزة والدفاع عن حماس. وفي أستراليا، كان هذا سائداً بشكل خاص.

وقد اصطف كل من الحزبين السياسيين الرئيسيين (العمال والأحرار) لإدانة حماس بعد السابع من أكتوبر، ولكن حزب الأحرار المعارض هو الذي كان الأكثر صخباً. وقد سعى بعض أعضاء الحزب إلى وصم خصومهم في حزب العمال بأنهم معادون للسامية، وذلك ببساطة بسبب دعمهم لقيام دولة فلسطينية (وهو الموقف الذي تتقاسمه رسمياً كل الحكومات تقريباً، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الأقوى لإسرائيل). لقد حاول الليبراليون دق إسفين بظهر حزب العمال في شأن هذه القضية ويسقط بشكل نهائي مشروع الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

إن العلامات على وجود خطاب سياسي يميني متطرف على النمط الأمريكي يتجذر في الجانب المحافظ من السياسة الأسترالية ليست جديدة، ولكن حتى بهذا المعيار، كانت التعليقات قاتمة.

ففي منطقة غربي مدينة سدني – وهي منطقة مترامية الأطراف تضم عددًا كبيرًا من السكان المسلمين – أُعطي أحد المجالس المحلية الإذن برفع العلم الفلسطيني. للتوضيح، خارج منزلي في ملبورن، أستطيع رؤية أعلام خمس دول مختلفة ترفرف. ليست هذه بمشكلة بالمجتمع الأسترالي متعدد الثقافات.

ومع ذلك، فإن زعيم المعارضة الليبرالية بيتر داتون Peter Dutton لا يتفق مع هذا الرأي. وقد أدان وزير العمل توني بورك Tony Burkeـ الذي تغطي ناخبيه المجلس المذكور أعلاه، لكنه أضاف أن مثل هذه الإدانة “لا تضعف إلى حد ما إذا فعلت شيئاً للاعتراف بالخسارة في الأرواح الفلسطينية”. قرر داتون أن هذا أقرب إلى الضعف.

وقال داتون إن رئيس الوزراء الأسترالي “[كان ينبغي] أن يوجه إليه توبيخا شديدا لأن عدم إدانة حماس واستخدام الكلمات الناعمة يبعث برسالة فظيعة”، متجاهلا تماما المغزى من بيان توني بورك.

بالنسبة لناصر المشني Nasser Mashni، رئيس شبكة مناصرة فلسطين الأسترالية APAN، فقد قال إن تعليق دايتون يهدد وجود الشعب الفلسطيني وحقه بالعيش. وتابع المشني: “لا أحد يتحدث نيابة عنا، هل تعلم أن هذا أبسط حقوقنا؟” أخبرني في وقت مبكر من صباح يوم الاثنين، بينما كنا ننشر آخر الأخبار عن إخلاء مستشفى في غزة.

وتابع المشني : “يقول رئيس وزراء حكومة الظل [بيتر داتون] إننا يجب أن نعود إلى ديارنا”، معلقًا على دعوة داتون لترحيل المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين، الذين وصفهم بأنهم من أنصار حماس. قال المشني: “في إطار ما يروج له داتون، “بأننا لا ننتمي للمجتمع الاسترالي”، هذا يعتبر جريمة لحقوقنا كمواطنين. أما بالنسبة أننا ندعم حماس فهذا لم يحدث، وإذا حضّرنا مسيرة ليحضرها البلهاء من أنصار حماس (لأن هذا مخالف للقانون الأسترالي)، فمن الواضح أنه يجب ترحيلنا. ولم يتم رفض أي من هذه التعليقات على مستوى الولاية أو المستوى الفيدرالي.

وظهرت مسيرة مؤيدة للفلسطينيين في أعقاب يوم 7 أكتوبر مباشرة، حيث ردد بعض المتظاهرين تعليقات مروعة معادية للسامية. لقد تمت إدانتهم بشدة من قبل المنظمين وجميع الجماعات الفلسطينية الرائدة – بما في ذلك المشني.

“لذا، هناك ألم المعاناة في فلسطين – وطننا – ولكن بعد ذلك هناك شعور بأن جميع تخلى عنا. إنه شيء آخر. يبدو الأمر كما لو أننا لا ننتمي إلى أستراليا، ولا ننتمي إلى الكرة الأرضية تقريبًا”.

عندما أقام الفلسطينيون وقفة احتجاجية في ملبورن لإحياء ذكرى القتلى في غزة، قال النائب المحلي ديفيد ساوثويك David Southwick إن رفع العلم الفلسطيني كان “خطأ بالتأكيد”. ووصفت الجمعية اليهودية الأسترالية الأمر بشكل مبالغ فيه بأنه “… يعادل رفع العلم النازي بعد ليلة الكريستال، أو العلم الياباني بعد بيرل هاربور، أو علم طالبان بعد 11 سبتمبر”.

إن العلم الفلسطيني ليس علمًا إرهابيًا – ولم يكن أبدًا – علمًا إرهابيًا. وقالت هبة الفرا إن الانتقادات الموجهة للعلم سلطت الضوء على قضية أعمق تتعلق بمحو التراث الفلسطيني. “ما هي الخطوة اليمينية التالية؟ هل لن أتمكن من التحدث بلغتي، أو لهجتي، أو ارتداء ثوبي الفلسطيني التقليدي؟” تابعت هبة الفرا: “إنه أمر مؤلم للغاية. أود أن أرى أي مجموعة أخرى من الناس تُحرم من حق التنازل عن علمها. كيف سيكون رد فعلهم على ذلك؟

ثم قالت هبة الفرا: “نحن نعيش في بيئة حيث تجريد فلسطين من إنسانيتها يعني أن كل شيء مسموح به. لقد سلبونا حقنا في الحديث عن نضالنا”.

وقال ناصر المشني إن الخلط بين جميع الفلسطينيين والإرهابيين يساهم في “تجريدنا من إنسانيتنا وافتقارنا إلى الانتماء”. وأشار إلى أن الحدث المذكور أعلاه كان حدثًا سنويا لإحياء ذكرى النكبة الفلسطينية وهو يقام كل عام، وقد تم تقديم طلب بالفعل من أجل تنظيم النسخة القادمة لعام 2024. ومع ذلك، فإن الغضب هذا العام كان علامة أخرى على أن الشعب الفلسطيني في أستراليا يُنظر إليه على أنه مرتبط بشكل جوهري بالإرهاب والعنف وأعمال الشغب، دون أي يتم توثيق أي خطأ من جانبهم.

ريتا جبري ماركويل  Rita Jabri Markwell محامية مسلمة تعمل في مدينة سدني. وقالت لصحيفة الدبلوماسي Diplomat إنه بينما كان بعض العاملين في وسائل الإعلام يستخدمون منصاتهم لاستجواب الحكومة حول تصرفات إسرائيل، وحول احتمال أن إسرائيل ترتكب جرائم حرب وتتورط في تطهير عرقي ولماذا يجب محاسبتهم، فإن آخرين في العالم وكانت من بينهم وسائل الإعلام “تأتي من موقف جاهل وقاس، مما يثير ردود فعل أسوأ”.

وكانت وسائل الإعلام الاسترالية في كثير من الأحيان متواطئة. على سبيل المثال، وصف الرجل اليهودي، مناحيم فورشهايمر Menachem Vorchheimer، بأنه “ناشط يهودي في مجال حقوق الإنسان” عندما هدد بمقاضاة ناصر المشني. وفي المعارضة، وُصف المشني بـ ”الناشط الفلسطيني”.

عثرت قناة سكاي نيوز المحافظة على مقطع فيديو لرئيس الوزراء أنتوني ألبانيز Anthony Albanese في تجمع مؤيد للفلسطينيين في التسعينيات، والذي استخدمته للقول إنه مناهض لليهود ومعادي لإسرائيل.

أكدت ريتا ماركويل، جنبًا إلى جنب مع كل من تحدثت إليهم في هذه المقالة، أن الحرب لم تبدأ بالنسبة للفلسطينيين في 7 أكتوبر، ولكنها كانت مستعرة منذ عام 1967، أو بالنسبة للبعض، منذ عام 1948. وقالت ريتا ماركويل: “إن الأراضي الفلسطينية المحتلة تخضع للاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967”. “إن غزة تخضع للحصار منذ حوالي 15 عامًا، وهو ما يرقى من الناحية القانونية إلى مستوى الاحتلال لأنهم يسيطرون فعليًا على السكان”.

وأشارت ريتا ماركويل، إن الجالية التي تنتمي إليها، إلى أنها الآن مليئة “بالحداد الدائم والغضب والعجز. ولكن أيضًا المرونة التي تأتي من الجالية والتي تدعم إيجاد صوت يدافع عن حقوقنا ومساعدة الآخرين في العثور على صوتهم.

اتصلت بي سارة أوزرين Sara Ozrain، طالبة من أصول فلسطينية تدرس الحقوق في ملبورن، بعد مناقشتنا الأولى للتأكد من أنني أدركت أن “الدين ليس له وطن؛ الوطن لكل الشعب على اختلاف معتقداتهم الدينية. ولهذا السبب يجب علينا أن نتجاوز الخطاب القائل بأن هذه قضية إسلامية و/أو يهودية. هذا يتعلق بالإنسانية.”

وقالت سارة أوزرين لصحيفة الدبلوماسي إن التغطية الإعلامية أثرت على العديد من الأشخاص في المجتمع من خلال الطعن في الشكوك التي تكذب الأدلة. وتابعت أوزرين: “أعتقد أن وسائل الإعلام كانت متعمدة للغاية فيما اختارت تغطيته وليس تغطية كل ما يحدث بأرض الواقع، وتساهم هذه التصرفات في زيادة الخطاب السلبي حول الفلسطينيين والعرب والمسلمين في جميع أنحاء العالم، مما يسبب المزيد من الألم لهذه المجتمعات علاوة على ما يفعلونه”. قال أوزرين: “يا للأسف فإن وسائل الإعلام مستمرة بفعل ذلك”. ثم قالت أوزرين: “لدي عائلة تأثرت منذ عقود بالوضع في فلسطين، ولدي أصدقاء تأثروا وفقدنا جميعًا أشخاصًا. إنه أمر يبطل ألمنا ألا يتم الاعتراف بهذه الأزمة الإنسانية على حقيقتها”.

جميع الأشخاص الذين تحدثت إليهم صحيفة الدبلوماسي يقولون إن التغطية الإعلامية سببت ضائقة كبيرة للشتات (الجالية الفلسطينية والعربية في استراليا)، للأشخاص الذين يموت أفراد من عائلاتهم يوميًا في غزة.

بالنسبة لهبة الفرا، فهي تشعر بالألم عميق. لقد شهدت وفاة أفراد من عائلتها، بينما شهدت في الوقت نفسه التعامل مع جنسيتها باعتبارها وصمة عار. وعلقت هبة الفرا: “من المؤلم أن نرى الافتقار إلى التعاطف في كل هذا، سواء كان ذلك من خلال وسائل الإعلام التي تجردنا من إنسانيتنا من خلال قول شيء بسيط مثل وصفها بأنها حرب بين إسرائيل وحماس. وتساءلت: أين الإنسانية الفلسطينية من كل هذا؟ وتابعت هبة الفرا: “إن الشعب الفلسطيني هو الذي يتم قصفه، وهو الذي يقتل، وليس حماس. الأطفال الذين يتم ركلهم هم فلسطينيون، وليسوا من حماس. لم يتم ذكر الأطفال، والناس، والأمهات، والآباء بشكل كافٍ.

وأكدت هبة الفرا: “إننا نفخر بالحفاظ على هويتنا حية في عقول وقلوب أطفالنا لأنها الشيء الوحيد الذي يبقى على قيد الحياة من وطننا. كيف يمكن لأطفالنا أن يستمروا في حياتهم عندما يصفهم الإعلام بهذه الطريقة الظالمة وغير الإنسانية؟

وقال المشني إنه لا يوجد شخص واحد في الجالية الفلسطيني في استراليا لم يتأثر شخصيا بأحداث الشهر الماضي. ومع انقطاع الاتصالات في كثير من الأحيان، فإن كل رسالة تقول “تم استلام رسالتك” يمكن أن تحتوي على معلومات مفجعة لأشخاص على بعد آلاف الأميال. وتابع المشني: “إن الأمر يتجاوز الشعور باليأس والرعب والمعاناة. كفلسطينيين، هذا شيء اعتدنا عليه إلى حد ما. لكن الأمر لا يزال صعبا”.

أكبر ما يمكن تعلمه من هذه المحادثات لم يكن له أي علاقة بالسياسة. وبينما كان كل من تحدثت معهم يدافعون بفخر عن وطنهم، إلا أنهم ذكروا فقط معاناة الأطفال الذين يموتون، وكبار السن الذين يموتون، والمستشفيات التي تم قصفها، والكهرباء والغاز والإنترنت التي تم قطعها. لقد تحدثوا فقط عن الأشخاص المحرومين من حقوق الإنسان الأساسية.

أعرب العديد منهم عن تضامنهم مع زملائهم وأصدقائهم وجيرانهم اليهود، الذين وقعوا أيضًا في فخ الرعب. وشددوا على أن هذه ليست قضية دينية، بل إنها إرهاب إنساني.

وطالب الجميع بالوقف الفوري لإطلاق النار.

نص المقال على الرابط https://thediplomat.com/2023/11/agony-for-australias-palestinian-community-as-war-rages-on-in-gaza/

 

 

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة