تاريخ عمل الأشبال والزهرات في فلسطين
يعتبر المجتمع الفلسطيني من المجتمعات المنفتحة اجتماعيا، من خلال مشاركة المرأة الفلسطينية بالعمل وكذلك الأشبال والزهرات. ومجرد عودة للتاريخ فإننا نرى هذه المشاركة فاعلة بالقرى بالأعمال الفلاحية وكذلك بالبادية ومهام الرعي والمراقبة وجمع الحطب كلها مهن للأشبال وزهرات، وإذا انتقلنا للمدن فالوضع سيكون أكثر وضوحا؛ حيث كانت تتم تعلم المهن كافة عن طريق التدريب المباشر في الورش والمعامل والمتاجر، ولم تكن مقتصر عملية التدريب على الجوانب الحرفية، بل كانت تشمل على تعلم فن التعامل مع الزبائن وأمور التربية المجتمعية.
ومع دخول الانتداب البريطاني عام 1917 لفلسطين، تم تغيير العديد من القوانين واستحداث قوانين بخصوص عمل الأشبال والزهرات، مما دفع الأهالي لتعليم أبناؤهم وبناتهم في كليات التدريب المهني مثل كلية سراتنطا وخضوري، كما أن مؤسسة الكشاف الفلسطيني أقامت العديد من الدورات التأهيلية مثل الحياكة والنجارة والحدادة، وكان هناك العديد من المؤسسات الوطنية التي تحاول مساعدة الأشبال والزهرات للانخراط في سوق العمل.
وفي منتصف العشرينيات خصص الشاعر الفلسطيني الكبير ابراهيم طوقان ساعة يوميا من إذاعة فلسطين لتقديم المواهب الصاعدة والتي تشمل على إلقاء الشعر والأغاني الوطنية، وحتى الحزازير والأمثال الشعبية، ومن المواهب التي اكتشفها في ذلك البرنامج، كان الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود صاحب قصيدة: سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى…
وفي منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، بدأ تنظيم حمل السلاح ضد توسع الاستيطان الصهيوني على أرضنا وتشكيل خلايا مقاتلة وكان القادة الكبار مثل ابراهيم الكبير وجمال الحسيني وبهجت أبو غربية والشيخ البلعاوي وغيرهم الكثير، يولون اهتمام كبير لاعداد المقاتلين الشباب وخاصة في سن الأشبال والزهرات، فتم تأسيس مؤسسة النجادة في مدن الساحل الفلسطيني والفتوة في المناطق الداخلية.
وأُفضل أن أروي مهام الأشبال والزهرات في مؤسسة النجادة على لسان أحد خريجيها، الشهيد الرمز أبو أياد صلاح خلف: كنا نتدرب على كل شيء وكان مدربنا يطلب منا التجسس على المستوطنات القريبة ومعرفة ما يجري داخلها، لم نكن نعلم أهمية ما نقوم به ونحن نعد السيارات الداخلة والخارجة ولم نكن نعرف لماذا علينا أن نعرف كم مرة يذهبون لنبع المي، او أي ساعة تأتي شاحنة الهاغاناة، لكن معلوماتنا كانت أساس أي هجوم فدائي، وجمع المعلومات الاستطلاعية هام جدا، ولا نقلل من عمل الزهرات في محيط ميناءي حيفا ويافا فلقد قمن بتذكر أعداد المهاجرين الجدد والنوع الحمولات وغيرها، أما على جانب الامداد فكنا نحمل الأطعمة والماء للثوار المختبئين بالبيارات، وكانت الزهرات دائما أفضل وأشطر منا من ناحية تمويه وسرعة الحركة، ربما لأننا تعودنا طيلة عامين البقاء جالسين قبل المستوطنات . وفي مهمة كانت غاية في الصعوبة، كنا نقوم بنقل الرسائل من الثوار لأهليهم لطمأنتهم على صحتهم.
أما إذا تكلمنا عن حركة فتح، فهي استمرار لنفس العفوية الفلسطينية في التعامل مع واقعها الثوري منتهجة حرب الشعب طويلة الأمد أسلوب ملحمي يفتح المجال لكل أبناء وبنات شعبنا الفلسطيني ليساهم في عملية تحريرالوطن السليب، فمنذ مراحل التأسيس السرية تم البدأ بخلق المؤسسات النقابية والشعبية وتأطير الشعب الفلسطيني بها، حتى قبل تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية نفسها، فتأسست الاتحادات الطلابية والمهنية وأيضا اتحاد المرأة الفلسطينية.
ولعل الكثيرين ينظر للشهيد البطل الأخ صخر حبش كصاحب قرار إنشاء مؤسسة الأشبال في عام 1967، وهذا تسجيل سليم لاستقلال مؤسسة الأشبال عن الاتحادات الطلابية والمليشيا الشعبية ، بمعنى أن الأشبال كانوا موجودون ضمن أطر مختلطة مع مؤسسات كبرى، وكان يتم تخصيص ساعة صباحية لهم في معسكر الكرامة في وادي نهر الاردن وكذلك في معسكر الهامة في المرتفعات السورية الجنوبية. إضافة لقبولهم متطوعين في مؤسسات الثورة المختلفة.
وفي عام 1968، كان هناك حاجة لخلق مؤسسة الزهرات أو توسيع مفهوم مؤسسة الأشبال لتتسع لنشاطات خاصة بالزهرات، خاصة بعد تميزهن بالأعمال الإذاعية والفنية، إضافة لأعمالهن التطوعية في أعمال الحياكة والتمريض، وكما كان يقول الشهيد حبش دائما كنت أقول للأشبال: تنشطوا وشوفوا الزهرات دائما عندهن عمل تطوعي ومبدعات.
إلا أن تطورات القضية الفلسطينية المتلاحقة فرضت على أشبال وزهرات فلسطين ، أن يتعدوا مفاهيم وأصول الحرب الشعبية، حيث إن دورهم الاسناد والدعم، كما كان في النجادة والفتوة في ثلاثينيات القرن الماضي، لقد فرضت أحداث اجتياح الجيش الإسرائيلي الغادر للأراضي اللبنانية ، أن نقاتل العدو بكل قوانا، ولعل أطفال آربي جيه كانوا أمثولة بالفدائية وملحمة بطولية ، حيث دافعوا ببسالة عن مخيماتنا ومعسكرات الثورة، وكان لهم دور أساسي في حرب الشوارع خاصة في مدينتي صيدا وصور.
وفي النظر لأطفال الحجارة في الوطن المحتل، فقد أجمع المعلقين والمتابعين للانتفاضات والحروب التي خاضها الشعب الفلسطيني، أن هناك تلقائية ثورية وملكة فدائية عند الأشبال والزهرات الفلسطينيين لا نراها في أي مكان بالعالم، تجمع بين تخطي حاجز الخوف مع الشعور أننا جميعا مسؤوليين ولنا دور لابد أن نقوم به.
ولعل هذا ما يجعل حركة فتح تخصص جزء مهم من وقت كوادرها، للعمل من أجل زرع بذور المستقبل لجيل بحاجة لتوجيه وتثقيف وتدريب حتى يستطيع اثراء الثورة بمساهماته وانجازاته، ولعل أحدث تطوير على العمل الحركي بخصوص مؤسسة الأشبال والزهرات هو إنشاء أكاديمية الأشبال والزهرات الالكترونية في 1-8-2011، بحيث يتم تخريج دفعة سنوية للمنتسبين لها من خلال ثلاث فصول دراسية، يشتمل كل فصل على برامج تعزز وتنمي قدرات الأشبال والزهرات المعلوماتية والفكرية والوطنية.
ختاما، لصناع المستقبل أشبال وزهرات فلسطين، للقائمين على عمل مؤسسة الأشبال والزهرات، ألف تحية ومعا وسويا سوف نستمر بالنضال.
خالد غنام أبو عدنان
ولدت لاجئاً وأحيا مهاجراً
13/12/2014